المرأة السعودية في الأسرة والفتوى والأنظمة
السبت - 24 سبتمبر 2016
Sat - 24 Sep 2016
في بدايات الوعي، كنت أستغرب من تكرار بعض أسئلة الفتاوى، وطريقة إجابتها في تفاصيل العلاقات الزوجية.. كخروج الزوجة بدون إذن زوجها، وأسلوب الإجابة عنها، وكأن حياة المنزل صف مدرسي يلتقي أفراده مؤقتا ثم يذهب كل واحد إلى منزله، وليست نظاما تفاهميا شاملا بين الزوج والزوجة والأبناء، ولكل أسرة ثقافتها ووضعها الاجتماعي.
ماذا لو جاء السؤال الافتراضي هنا لفهم الفكرة: هل يجوز للزوجة أن تصعد للدور الثاني أو تدخل هذه الغرفة في المنزل دون إذن زوجها، أو أن لا تحرك هذه الطاولة أو قطعة الأثاث بدون إذن زوجها هل سيتغير الجواب دينيا!؟ لن يتغير طالما أن طاعة الزوج واجبة كرؤية عامة ينطلق منها الفقيه، لكن الحياة الواقعية ليست بهذه الصورة، فالعلاقات الأسرية تحكمها جوانب عدة، فقد تكون الزوجة قوية شخصية وتصبح هي الآمر الناهي، ويبدو الزوج «كدجاجة» بالتعبير الشعبي، وأحيانا تكون هي أكثر حكمة ووعيا بإدارة المنزل. فكل منزل يتشكل فيه نوع من الإدارة خاصة فيه تتأثر بالقيم وبنوع الشخصيات ومستوى التعليم وظروف كثيرة.
كان أحد جوانب محاولة فهم مجتمعنا بالنسبة لي متابعة الفتاوى المحلية بمختلف وسائل الإعلام قبل عصر الانترنت، لأن الأسئلة الشعبية البسيطة توفر بعدا ثقافيا واجتماعيا للوعي ببعض جوانب التفكير الاجتماعي والديني من خلال متابعة برامج الفتاوى الإذاعية أو في التلفزيون أو الصحف والكاسيت وغيرها، وهو سيل متنوع من الاستفسارات لأصحاب الفتوى الرسمية في مرحلة تحولات اقتصادية، والانتقال من عصر إلى عصر.
كان كثير من هذه الأسئلة هو في مجال التربية والوعي النفسي والأسري أكثر من أن يكون له علاقة بالفقه تقليديا، لكن المجتمع في ذلك الوقت وحتى الآن بدرجة أقل.. لا يجد من يسأله إلا الشيخ الديني، وتبدو المشكلة أن الشيخ في أغلب الحالات لا يمتلك الوعي الفكري والتربوي في التوجيه والإرشاد، فتأتي الإجابات جافة ذات بعد فقهي بحت بدون استحضار للبعد التربوي والنفسي، وتكون بعض الإجابات موجزة، وقد يترتب عليها مشكلات عائلية في علاقة أطراف الأسرة ببعضها.
مشكلة الأب مع أولاده أو العكس أو علاقة الزوج بالزوجة، واختلاف درجة الالتزام الديني داخل كل فرد، وأظهرت مرحلة الصحوة تصادمات مؤلمة وذكريات حزينة داخل بعض الأسر بسبب هذه الاختلافات، وهي قصة اجتماعية أخرى كبيرة بحد ذاتها.
كثير من الإشكاليات والصراعات في مجتمعنا نتيجة خلل في تصور نظام مفاهيمنا الديني والاجتماعي والإداري، بعيدا عن ضغوط المطالبات وتصنيفها وردود الفعل حولها. بنية الأسرة والحمولة والقبلية ومكان الفرد داخل هذه الشبكة يتشربها كل منا منذ طفولته، محملا بكثير من القيم وأخلاقيات البيئة وثقافتها، كمكتسب طبيعي لا يحتاج الفرد العادي تعلمه في الصف أو من الإعلام. وقد يحدث فيها تغيير بطيء مع كل تحول تنموي، فكثير من هذه القيم حدث لها بعض التحول مقارنة بما كان فيه المجتمع قبل نصف قرن، يقابل ذلك نظام مفاهيمي ديني يغذيه بالوعظ والخطب والفتوى والتعليم مع اختيارات فقهية محلية. ويجب أن نستحضر أن هناك نظاما واضحا للأسرة في الإسلام يمكن لمتوسط التعليم إدراك أصوله الشرعية، وقد جاءت النصوص الشرعية محددة في جوانب معينة كالمواريث والطلاق والعدة وغيرها، وهناك أيضا أخلاقيات وآداب تتعلق بمفهوم الطاعة والبر وصلة الرحم، وطاعة الزوج لزوجها.. ويكثف بعضها في الخطاب الديني أكثر من غيرها.
وبغض النظر عن الاختلاف في بعض التفاصيل، وأن هناك أشياء حسمها النص، فالمشكلة في واقعنا المحلي ليست هنا، والتي يحدث فيها الخلط والصراع. فالسؤال المركزي: ما هي حدود تدخل أنظمة الدولة في إدارة الأسرة، وعلي أي أساس توضع بعض الشروط الخاصة بالمرأة ؟! فليس كل ما هو حرام يتدخل فيه النظام، فمثلا فتوى اللجنة الدائمة عن سفر المرأة بدون محرم في الطائرة ظهرت في عام 1399 هـ، وهي طويلة والسؤال تم فيه شرح لظروف طالبات جامعيات خارج مدنهن وكان ملخص رأي اللجنة في النهاية «وعلى هذا يكون سفر النساء بالطائرات بلا زوج أو محرم منهيا عنه» فالتحريم هنا لم يتدخل فيه النظام وظلت المرأة تسافر بالداخل بدون محرم لظروف مختلفة ولا تمنع، بعكس السفر للخارج حيث يتدخل النظام لأسباب أخرى.
المكون الأكبر لكثير من مشكلات مجتمعنا جانب إداري اجتهادي حدث في مرحلة معينة ليس بالضرورة له علاقة بالشريعة والدين. وقد أشرت إلى هذه المشكلة قبل عامين في مقال عن «الولاية المطلقة والمرأة: منتجات الإدارة بالأحوط» فهذه الذهنية الإدارية تبحث عن الأسهل عبر المركزية كأحد فنون الإدارة السعودية، ولهذا تبدو فكرة الكفيل للتحكم بعمل الوافد ناتجة من هذه الرؤية الإدارية. لا يهم ما هو رأيك، المهم أن لا تخلط بين المفاهيم الشرعية وبين بعض الأنظمة الإدارية التي وضعت من اجتهادات بشرية مع ظروف كل مرحلة.
[email protected]
ماذا لو جاء السؤال الافتراضي هنا لفهم الفكرة: هل يجوز للزوجة أن تصعد للدور الثاني أو تدخل هذه الغرفة في المنزل دون إذن زوجها، أو أن لا تحرك هذه الطاولة أو قطعة الأثاث بدون إذن زوجها هل سيتغير الجواب دينيا!؟ لن يتغير طالما أن طاعة الزوج واجبة كرؤية عامة ينطلق منها الفقيه، لكن الحياة الواقعية ليست بهذه الصورة، فالعلاقات الأسرية تحكمها جوانب عدة، فقد تكون الزوجة قوية شخصية وتصبح هي الآمر الناهي، ويبدو الزوج «كدجاجة» بالتعبير الشعبي، وأحيانا تكون هي أكثر حكمة ووعيا بإدارة المنزل. فكل منزل يتشكل فيه نوع من الإدارة خاصة فيه تتأثر بالقيم وبنوع الشخصيات ومستوى التعليم وظروف كثيرة.
كان أحد جوانب محاولة فهم مجتمعنا بالنسبة لي متابعة الفتاوى المحلية بمختلف وسائل الإعلام قبل عصر الانترنت، لأن الأسئلة الشعبية البسيطة توفر بعدا ثقافيا واجتماعيا للوعي ببعض جوانب التفكير الاجتماعي والديني من خلال متابعة برامج الفتاوى الإذاعية أو في التلفزيون أو الصحف والكاسيت وغيرها، وهو سيل متنوع من الاستفسارات لأصحاب الفتوى الرسمية في مرحلة تحولات اقتصادية، والانتقال من عصر إلى عصر.
كان كثير من هذه الأسئلة هو في مجال التربية والوعي النفسي والأسري أكثر من أن يكون له علاقة بالفقه تقليديا، لكن المجتمع في ذلك الوقت وحتى الآن بدرجة أقل.. لا يجد من يسأله إلا الشيخ الديني، وتبدو المشكلة أن الشيخ في أغلب الحالات لا يمتلك الوعي الفكري والتربوي في التوجيه والإرشاد، فتأتي الإجابات جافة ذات بعد فقهي بحت بدون استحضار للبعد التربوي والنفسي، وتكون بعض الإجابات موجزة، وقد يترتب عليها مشكلات عائلية في علاقة أطراف الأسرة ببعضها.
مشكلة الأب مع أولاده أو العكس أو علاقة الزوج بالزوجة، واختلاف درجة الالتزام الديني داخل كل فرد، وأظهرت مرحلة الصحوة تصادمات مؤلمة وذكريات حزينة داخل بعض الأسر بسبب هذه الاختلافات، وهي قصة اجتماعية أخرى كبيرة بحد ذاتها.
كثير من الإشكاليات والصراعات في مجتمعنا نتيجة خلل في تصور نظام مفاهيمنا الديني والاجتماعي والإداري، بعيدا عن ضغوط المطالبات وتصنيفها وردود الفعل حولها. بنية الأسرة والحمولة والقبلية ومكان الفرد داخل هذه الشبكة يتشربها كل منا منذ طفولته، محملا بكثير من القيم وأخلاقيات البيئة وثقافتها، كمكتسب طبيعي لا يحتاج الفرد العادي تعلمه في الصف أو من الإعلام. وقد يحدث فيها تغيير بطيء مع كل تحول تنموي، فكثير من هذه القيم حدث لها بعض التحول مقارنة بما كان فيه المجتمع قبل نصف قرن، يقابل ذلك نظام مفاهيمي ديني يغذيه بالوعظ والخطب والفتوى والتعليم مع اختيارات فقهية محلية. ويجب أن نستحضر أن هناك نظاما واضحا للأسرة في الإسلام يمكن لمتوسط التعليم إدراك أصوله الشرعية، وقد جاءت النصوص الشرعية محددة في جوانب معينة كالمواريث والطلاق والعدة وغيرها، وهناك أيضا أخلاقيات وآداب تتعلق بمفهوم الطاعة والبر وصلة الرحم، وطاعة الزوج لزوجها.. ويكثف بعضها في الخطاب الديني أكثر من غيرها.
وبغض النظر عن الاختلاف في بعض التفاصيل، وأن هناك أشياء حسمها النص، فالمشكلة في واقعنا المحلي ليست هنا، والتي يحدث فيها الخلط والصراع. فالسؤال المركزي: ما هي حدود تدخل أنظمة الدولة في إدارة الأسرة، وعلي أي أساس توضع بعض الشروط الخاصة بالمرأة ؟! فليس كل ما هو حرام يتدخل فيه النظام، فمثلا فتوى اللجنة الدائمة عن سفر المرأة بدون محرم في الطائرة ظهرت في عام 1399 هـ، وهي طويلة والسؤال تم فيه شرح لظروف طالبات جامعيات خارج مدنهن وكان ملخص رأي اللجنة في النهاية «وعلى هذا يكون سفر النساء بالطائرات بلا زوج أو محرم منهيا عنه» فالتحريم هنا لم يتدخل فيه النظام وظلت المرأة تسافر بالداخل بدون محرم لظروف مختلفة ولا تمنع، بعكس السفر للخارج حيث يتدخل النظام لأسباب أخرى.
المكون الأكبر لكثير من مشكلات مجتمعنا جانب إداري اجتهادي حدث في مرحلة معينة ليس بالضرورة له علاقة بالشريعة والدين. وقد أشرت إلى هذه المشكلة قبل عامين في مقال عن «الولاية المطلقة والمرأة: منتجات الإدارة بالأحوط» فهذه الذهنية الإدارية تبحث عن الأسهل عبر المركزية كأحد فنون الإدارة السعودية، ولهذا تبدو فكرة الكفيل للتحكم بعمل الوافد ناتجة من هذه الرؤية الإدارية. لا يهم ما هو رأيك، المهم أن لا تخلط بين المفاهيم الشرعية وبين بعض الأنظمة الإدارية التي وضعت من اجتهادات بشرية مع ظروف كل مرحلة.
[email protected]