مفلح زابن القحطاني

سلطة اللغة سياسيا

الاحد - 18 سبتمبر 2016

Sun - 18 Sep 2016

اللغة هي ملكة إنسانية وظاهرة اجتماعية، وهي تشكل المكون الثقافي والهوية لكل شعب من الشعوب، وهي كذلك الوسيلة والأداة التي يتم من خلالها تصدير الثقافة وتقديم الذات بمختلف مكوناتها، وتقديم الرؤية على اختلاف أنواعها واتجاهاتها في جوانب السياسة والاقتصاد والثقافة، واللغة أيضا تمثل أحد الأسلحة المهمة جدا في أي تحد أو حال تستوجب حضورها.



والتقرير الذي صدر مؤخرا عن أحد المواقع الثورية في إيران وأقر بهزيمة بلاده أمام السعودية، عازيا ذلك إلى اللغة العربية التي تتكلم بها دول المنطقة ما عدا إيران يؤكد حقيقة سلطة اللغة السياسية، وهي سلطة قوية جدا من شأنها أن توجه المعركة وأن تصنع الرأي العام وتشكله على نحو معين، وأن تصنع من الرأي الآخر صورة نشازا، ووجهة نظر غير منطقية، وأن تكون القناعات والاتجاهات تجاه قضية ما أو حدث ما في نفوس المتلقين.



التقرير طلب من الدبلوماسيين والإعلاميين الإيرانيين تعلم اللغة العربية لهذا الغرض السياسي البحت المتمثل في المواجهة مع المملكة العربية السعودية، وبالنظر إلى هذا أو بغض النظر عنه يبقى وجود إعلاميين ودبلوماسيين ومسؤولين يجيدون لغات متنوعة رصيدا مهما، وعامل قوة حقيقيا، وتبقى القوة الإعلامية قوة يمكن المراهنة عليها في هذا الزمن، ويمكن أن تحقق من الأهداف والغايات والنتائج والنجاحات ما تعجز الجيوش والحروب عن تحقيقه، ويظل الاهتمام بجوانب اللغة والإعلام والاتصال، والإفادة من دراسة أثرها دراسة علمية، وتطبيق نتائج هذه الدراسات ومفاهيمها، وإجراءات نظرياتها والإفادة من ذلك ومن الخلفيات التي تتقاطع مع علم النفس وعلم الاجتماع في هذا السياق، أدوات بالغة الأهمية في زمن مختلف ولا يعترف إلا بالأقوى، ومصدر القوة فيه مدى التقدم تقنيا والأخذ بزمام الرأي الذي يوجه الإعلام.



إن إطلاق قناة فضائية من المملكة العربية السعودية باللغة الفارسية لنقل مناسك الحج لهذا العام 1437 كان خطوة مميزة وموفقة؛ حيث أسهمت هذه القناة في نقل مناسك الحج ورصد تحركات الحجيج في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة برؤية صادقة وشفافة وسليمة وبعيدة عن الأجندة السياسية والمذهبية والطائفية، كما أسهمت القناة في إبراز وإظهار جانب من مبادئ الإسلام ومحاسنه، والخدمات الجليلة التي تقدمها المملكة العربية السعودية لحجاج بيت الله الحرام دون من أو أذى.



هذه القناة التي يدير دفة العمل فيها ستون شابا من الكوادر السعودية المؤهلة بمن فيهم طلاب جامعيون في قسم اللغة الفارسية استهدفت 130 مليونا، مخاطبة إياهم بلسان فارسي، وبمضمون موضوعي خال من أي تسييس أو استغلال إعلامي، وهي تشكل إضافة حقيقية وخطوة نحو استثمار مختلف الوسائط الإعلامية بمختلف اللغات لنشر تعاليم الدين ومبادئه، ورسم الصورة الحقيقية له، وتجسيد واقع الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام وزواره وزوار الأماكن المقدسة.



إنها خطوة جميلة يجب أن تتبعها خطوات في ذات الاتجاه، وذلك بالاعتماد على سلطتي اللغة والإعلام، وهما سلطتان مؤثرتان تأثيرا كبيرا، وجديرتان بأن يتم العمل على الإفادة منهما في مختلف الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.



[email protected]