محمد عبدالكريم المطيري

باحث أكاديمي

السبت - 17 سبتمبر 2016

Sat - 17 Sep 2016

دخل إلى القاعة واثق الخطوة يمشي ملكا ممتلئا بالشغف يحدثنا عن ورقة علمية نشرها في مجلة تصنيفها عال في مقرر هدفه الأساسي هو التعرف على الحياة الأكاديمية «حياة الباحثين».



في كل محاضرة يأتي ضيف ليعرض لنا ورقة علمية قد نشرها ويخبرنا ليس فقط عن محتواها بل عن جميع العمليات والمشاعر والانفعالات التي صاحبت هذه التجربة.. عملية اختيار الموضوع والعينة وكيفية التواصل مع المشاركين في البحث والتغييرات الحاصلة على البحث منذ أن كان مجرد فكرة على ورق وحتى نشرها في المجلة العلمية.. الحماسة والإحباط الجهد المبذول وخيبات الأمل.



الأمران الملهمان هنا هما الإصرار والشغف. ورقته العلمية التي نشرت كانت قد خضعت للتعديل والإضافة والمراجعة منه شخصيا عشرات المرات حتى تم إرسالها للمجلة الأكاديمية وطلب منه المحررون تعديلها مرتين أو ثلاث حتى وصل للنسخة النهائية التي تم نشرها. مجهود عظيم وشاق ودقة عالية وإخلاص من الناشر والمحرر.



في عرضه لورقته وحديثه عن تجربته ومسيرته العلمية لاحظت كم هو شغوف للغاية بأن يكتشف شيئا جديدا، فللعلم لذة لا يشعر بها إلا من سلك دربها. قد يقول البعض إن الحياة الأكاديمية بعيدة عن الواقع وإن هناك فجوة عميقة لم تردم بين النظرية والممارسة، بين ما يحدث في الخارج وما يحدث في قاعات الدراسة، ولست هنا لأجادل عن صحة هذه الفرضية من عدمها، ولكن ما يقوم به الباحثون في عملية اختيار العينة وتنويع طرق البحث ووسائله وتحري الدقة وأن تكون العينة المختارة ممثلة إلى درجة كبيرة للمجتمع المراد دراسته لهو دليل على مساهمات ومحاولات عديدة لردم هذه الفجوة، فمثلا حينما يهدف البحث إلى فهم ظاهرة اجتماعية ما في مجتمع ما وتسعى إلى أن تفهم آراء وانطباعات وردود أفعال الأشخاص الذين يعيشون في هذا السياق الاجتماعي، حينها لا بد لك من طرق البحث النوعية من مقابلات شخصية أو دراسة بعض الحالات بعمق لفهم أبعاد هذه الظاهرة وتأثيراتها، بينما هناك حالات أخرى تكون الطرق الكمية الإحصائية أجدى.



لست هنا بصدد المقارنة ولكن لأوضح فكرة كنت قد تطرقت لها في مقال سابق «أولويات عاطل عن العمل» مفادها أنه لا يمكن أن تمتلك هذا الشغف وهذا الإصرار إن لم تكن اخترت المسار الوظيفي الأنسب لإمكاناتك ورغباتك فالحياة الأكاديمية ليس حرف «د» تتباهى به وترفض مناداتك بغيره، وليست حياة إدارية تقضيها بين دهاليز البيروقراطية وركام الأوراق، مهمتك الأساسية ووظيفتك هي البحث الأكاديمي والإلمام التام في مجالك وتخصصك ومتابعة كل جديد والإسهام في التغيير، ما عدا ذلك من مهام على الرغم من أهميتها تظل ثانوية وإن كان لا بد من القيام بها، فيجب ألا تطغى على المهمة الأساسية.



انتهى اليوم وهو يجيب على أسئلتنا ويأخذ منا الملاحظات ويمنحنا إياها بلا تعال ولا غرور فغزير العلم يعلم التواضع وقليله يعلم الغرور، فطالب العلم لا يتجرأ أن يتعالى عليه لأنه يعلم أن ليس هناك حد للكفاف فشغف العلم يبقيه دائما على رغبة في المزيد.