جماعة غروزني والسلفية في مقالات سعودية
السبت - 17 سبتمبر 2016
Sat - 17 Sep 2016
الاهتمام بمؤتمر غروزني في العاصمة الشيشانية وتعدد الكتابة عنه، لأنه ليس مجرد مؤتمر عابر ووحيد أثار قضية ذات حساسية ينتهي بانتهاء أعماله، وإنما لأنه حصيلة تراكمات مستمرة لأكثر من عقدين منذ بدايات تمدد العنف دوليا، وتحوله من مشكلة داخلية خاص بظروف كل دولة إلى أزمة تمس مصالح دول عظمى، نتيجة ظروف سياسية وخليط من أفكار إسلامية له نواة صلبة في الثقافة الدينية قادر على جذب وتجنيد أتباع من مختلف الجنسيات والثقافات.
بعض الأفكار التي تتعلق بالإسلام وخارطته الداخلية والمتغيرات التي حدثت خلال القرن الماضي يدركها المهتمون بدقائق التحولات، كانت في الماضي مجرد جزء من المعرفة والتنظير يصعب نقلها إلى سياسات عملية، لكن مع كل تغيير في ظروف المنطقة وأزماتها وتأثيرها الدولي يحدث تحولات في الرؤية الاستراتيجية ليؤثر على اتجاه السياسة الدولة في الواقع.
منذ بدايات ظهور أزماتنا الفكرية الداخلية والخارجية وانعكاساتها السياسية، سنلاحظ قدرتنا على تشتيت الموضوعات وإفساد عملية النقد الفكري للذات، ولهذا لم نتقدم في مسار الوعي بالمشكلة حتى الآن خلال أكثر من عقد ونصف. بخصوص مؤتمر غروزني خلال أقل من شهر ظهرت العديد من المقالات والتعليقات حول رسالته. ردود الفعل يغلب عليها الأولويات الذاتية للمتحدث لكل اتجاه، ومع ذلك كان هناك شبه اتفاق على إدانة المؤتمر بصورة عامة، واعتباره تحولا يشتت أكثر مما يجمع في عالمنا الإسلامي، باستثناء مقالة أحمد عدنان بمجلة العرب الترحيبية فيه.
جاء مقال عبدالله الناصر في جريدة الرياض مكثفا من عنوانه «مؤتمر غروزني.. هذا ما جناه أبي علي» وإذا تجاوزنا جزءا مقبولا من محتوياته الهجائية للدور الروسي والصهيونية واليمين المسيحي المتعصب، تبدو المشكلة في استحضار حكاية الأبواق التي تتهم بلادنا ومناهجنا وتعليمها ومآذننا .. بالإرهاب وقطعة إنشائية طويلة يرجع لها القارئ بالمقال، وفيها تعميمات كبرى وسائلة يصعب الإمساك بها، لكنك تفهم أنه يدين ما كتب في الصحافة المحلية وإعلامنا، ومن خلال العنوان وكأن هذا النقد يستغل من قبل الأعداء. هذه الفكرة الدفاعية تكررت في الماضي لمقاومة أي نقد داخلي لدى كثير من الأصوات المحافظة والخطاب الديني بصورة عامة. يمكن نقد الكثير مما كتب في صحافتنا عن مشكلات المناهج والخطاب الديني والتطرف ليس لأن الأعداء يستفيدون منه كما يتوهم أو يحاول إيهامنا البعض به، فالواقع أن كثيرا من هذه الكتابات من النوع الخشاشي والمشاغبات السطحية، ولا يعتد بها عند من لديه معرفة بهذه القضايا الفكرية والدينية، وإذا كان الأعداء يعتمدون عليها فهذا شيء مبشر ومريح لنا لأنهم لن يحصلوا على شيء مفيد لهم ! فكل ما يكتب اليوم عن قضايا الإسلام والعصر والحركات الإسلامية والسلفيات والجهاد هي عند الغرب أكثر إتقانا في معرفة حقيقة واقعنا ومشكلاتنا من هذه الكتابات الهزيلة، منذ عقد ونصف.
مقابل ذلك جاء مقال أحمد عدنان مندفعا في الترحيب بفكرة المؤتمر واعتباره تنويريا، ولم يستعمل أي لغة دبلوماسية وكان مباشرا، وقد رد عليه كل من عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط ورائد السمهوري في الوطن، وكل رد أخذ زاوية مختلفة، كانت مقالة الراشد دفاعا عن السلفية بأحد جوانبها المحلية، لكن ما قاله تنزلا مع عدنان بأنه «وهو محق في أن بعض منتسبي العلم، وبينهم من كبار علماء السلفية السعودية وغيرها، تكفيريون ولا بد من مواجهتهم، لكن التعميم خطأ..» جعل ردود الفعل بمواقع التواصل على مقالته تبدو على غير حقيقتها، استعمال تعبير تكفيري ناتج عن قلة الخبرة في هذه القضايا حيث يخلط البعض بين بعض المفردات والمصطلحات، فكلمة تكفيري لها تبعات منهجية تختلف عن كلمة متشدد لو استعملت، فهناك فارق هائل بينهما، فالتشدد موقف فقهي معتاد في لجنة أو جهة، حيث يوجد توجهان؛ متسامح وآخر متشدد في التعبير عن أفكار المؤسسة.
أما رد السمهوري فاتجه نحو نقول تراثية طويلة، وهي في مكانها لنسف بعض الأوهام التاريخية التي يتورط بها بعض المثقفين باختزالات مخلة عن المذاهب والملل، لكن في الواقع مشكلتنا ليست في استعادة حرفية لسجالات ما قبل ألف سنة، وإنما هناك مستجدات القرن الأخير ونشوء الدولة الإسلامية والعربية المعاصرة وتبنيها مذهبا وفقها معينا، ودور الخطاب الديني والدعوي في استيعاب حقيقة الإشكال الحضاري الذي نواجه منذ قرن.
مقالة عدنان ليست مشكلتها في المعلومات والتصورات الخاطئة عن إشكاليات التشدد الديني المعاصر فقط، والتي أراد تأطيرها بناء على فكرة خصومة مذهبية مع السلفية، وإنما لأنها جاءت غير تنويرية وعقلانية تنتمي للعصر وضد الدروشة.
توهم عدنان بأن مفهوم أهل السنة والجماعة.. كأنه مجرد كيس يحط فيه جماعة غروزني ويطلع منه السلفية لينتهي التطرف والإرهاب، ليست مشكلته أنه غير ممكن، وإنما خطورته على غير السلفية أكبر، لأنه ينقصه التصور التاريخي والمعاصر لتحولات العقائد والمناهج والخطاب الديني والحراك العلمي الذي حدث في كل مرحلة. إن محاولة حصر السلفية بجماعة وبقعة محددة هو جهل بالتحولات التي حدثت بعد الطفرة الدينية منذ نصف قرن وانتشار التعليم بالعالم الإسلامي. فكرة استعادة الماضي والتضييق على السلفية لا يمكن إلا باستعادة المرحلة التاريخية والجغرافية ذاتها بكل ظروفها في عصر الدولة العثمانية الذي لم يكن تقدميا وكان جزءا من أسباب تخلفنا المعاصر أمام الغرب.
[email protected]
بعض الأفكار التي تتعلق بالإسلام وخارطته الداخلية والمتغيرات التي حدثت خلال القرن الماضي يدركها المهتمون بدقائق التحولات، كانت في الماضي مجرد جزء من المعرفة والتنظير يصعب نقلها إلى سياسات عملية، لكن مع كل تغيير في ظروف المنطقة وأزماتها وتأثيرها الدولي يحدث تحولات في الرؤية الاستراتيجية ليؤثر على اتجاه السياسة الدولة في الواقع.
منذ بدايات ظهور أزماتنا الفكرية الداخلية والخارجية وانعكاساتها السياسية، سنلاحظ قدرتنا على تشتيت الموضوعات وإفساد عملية النقد الفكري للذات، ولهذا لم نتقدم في مسار الوعي بالمشكلة حتى الآن خلال أكثر من عقد ونصف. بخصوص مؤتمر غروزني خلال أقل من شهر ظهرت العديد من المقالات والتعليقات حول رسالته. ردود الفعل يغلب عليها الأولويات الذاتية للمتحدث لكل اتجاه، ومع ذلك كان هناك شبه اتفاق على إدانة المؤتمر بصورة عامة، واعتباره تحولا يشتت أكثر مما يجمع في عالمنا الإسلامي، باستثناء مقالة أحمد عدنان بمجلة العرب الترحيبية فيه.
جاء مقال عبدالله الناصر في جريدة الرياض مكثفا من عنوانه «مؤتمر غروزني.. هذا ما جناه أبي علي» وإذا تجاوزنا جزءا مقبولا من محتوياته الهجائية للدور الروسي والصهيونية واليمين المسيحي المتعصب، تبدو المشكلة في استحضار حكاية الأبواق التي تتهم بلادنا ومناهجنا وتعليمها ومآذننا .. بالإرهاب وقطعة إنشائية طويلة يرجع لها القارئ بالمقال، وفيها تعميمات كبرى وسائلة يصعب الإمساك بها، لكنك تفهم أنه يدين ما كتب في الصحافة المحلية وإعلامنا، ومن خلال العنوان وكأن هذا النقد يستغل من قبل الأعداء. هذه الفكرة الدفاعية تكررت في الماضي لمقاومة أي نقد داخلي لدى كثير من الأصوات المحافظة والخطاب الديني بصورة عامة. يمكن نقد الكثير مما كتب في صحافتنا عن مشكلات المناهج والخطاب الديني والتطرف ليس لأن الأعداء يستفيدون منه كما يتوهم أو يحاول إيهامنا البعض به، فالواقع أن كثيرا من هذه الكتابات من النوع الخشاشي والمشاغبات السطحية، ولا يعتد بها عند من لديه معرفة بهذه القضايا الفكرية والدينية، وإذا كان الأعداء يعتمدون عليها فهذا شيء مبشر ومريح لنا لأنهم لن يحصلوا على شيء مفيد لهم ! فكل ما يكتب اليوم عن قضايا الإسلام والعصر والحركات الإسلامية والسلفيات والجهاد هي عند الغرب أكثر إتقانا في معرفة حقيقة واقعنا ومشكلاتنا من هذه الكتابات الهزيلة، منذ عقد ونصف.
مقابل ذلك جاء مقال أحمد عدنان مندفعا في الترحيب بفكرة المؤتمر واعتباره تنويريا، ولم يستعمل أي لغة دبلوماسية وكان مباشرا، وقد رد عليه كل من عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط ورائد السمهوري في الوطن، وكل رد أخذ زاوية مختلفة، كانت مقالة الراشد دفاعا عن السلفية بأحد جوانبها المحلية، لكن ما قاله تنزلا مع عدنان بأنه «وهو محق في أن بعض منتسبي العلم، وبينهم من كبار علماء السلفية السعودية وغيرها، تكفيريون ولا بد من مواجهتهم، لكن التعميم خطأ..» جعل ردود الفعل بمواقع التواصل على مقالته تبدو على غير حقيقتها، استعمال تعبير تكفيري ناتج عن قلة الخبرة في هذه القضايا حيث يخلط البعض بين بعض المفردات والمصطلحات، فكلمة تكفيري لها تبعات منهجية تختلف عن كلمة متشدد لو استعملت، فهناك فارق هائل بينهما، فالتشدد موقف فقهي معتاد في لجنة أو جهة، حيث يوجد توجهان؛ متسامح وآخر متشدد في التعبير عن أفكار المؤسسة.
أما رد السمهوري فاتجه نحو نقول تراثية طويلة، وهي في مكانها لنسف بعض الأوهام التاريخية التي يتورط بها بعض المثقفين باختزالات مخلة عن المذاهب والملل، لكن في الواقع مشكلتنا ليست في استعادة حرفية لسجالات ما قبل ألف سنة، وإنما هناك مستجدات القرن الأخير ونشوء الدولة الإسلامية والعربية المعاصرة وتبنيها مذهبا وفقها معينا، ودور الخطاب الديني والدعوي في استيعاب حقيقة الإشكال الحضاري الذي نواجه منذ قرن.
مقالة عدنان ليست مشكلتها في المعلومات والتصورات الخاطئة عن إشكاليات التشدد الديني المعاصر فقط، والتي أراد تأطيرها بناء على فكرة خصومة مذهبية مع السلفية، وإنما لأنها جاءت غير تنويرية وعقلانية تنتمي للعصر وضد الدروشة.
توهم عدنان بأن مفهوم أهل السنة والجماعة.. كأنه مجرد كيس يحط فيه جماعة غروزني ويطلع منه السلفية لينتهي التطرف والإرهاب، ليست مشكلته أنه غير ممكن، وإنما خطورته على غير السلفية أكبر، لأنه ينقصه التصور التاريخي والمعاصر لتحولات العقائد والمناهج والخطاب الديني والحراك العلمي الذي حدث في كل مرحلة. إن محاولة حصر السلفية بجماعة وبقعة محددة هو جهل بالتحولات التي حدثت بعد الطفرة الدينية منذ نصف قرن وانتشار التعليم بالعالم الإسلامي. فكرة استعادة الماضي والتضييق على السلفية لا يمكن إلا باستعادة المرحلة التاريخية والجغرافية ذاتها بكل ظروفها في عصر الدولة العثمانية الذي لم يكن تقدميا وكان جزءا من أسباب تخلفنا المعاصر أمام الغرب.
[email protected]