كلا وجفش
الخميس - 15 سبتمبر 2016
Thu - 15 Sep 2016
«كلا» هنا تمثل الحرفين الأولين لكل من وزيري خارجية الولايات المتحدة كيري والاتحاد الروسي لافروف، أما «جفش» فهو الاختزال المتعارف عليه لجيش فتح الشام «النصرة» سابقا.
وبالطبع فإن «كلا» هما الثابت في الملف السوري، وكل ما دونهما متغير بما في ذلك حجم الملف الإنساني السوري الذي تجاوز السياسي، لكن يبقى إدراك أن كيري ولافروف هما سايكس وبيكو القرن الحاضر في هيئة جديدة وظروف مغايرة لواقع الخارطة السياسية الكونية لما بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أن روسيا برؤيتها «القيصرية» نجدها اليوم تطالب بتعويض إرثها الضائع في البلقان من بعض حطام الشرق الأوسط الجديد.
فروسيا القيصرية النزعة اليوم هي قوة نووية لا سياسية، لذلك نجدها تعتمد المهادنة لاحتواء طموح جارتها الصين التوسعية في وسط آسيا ضمن استراتيجية طريق الحرير حتى وإن كان ذلك على حساب مصالحها التقليدية، إلا أن روسيا تتحصل مقابل ذلك على دعم صيني اقتصادي وسياسي لا محدود في ملفات عدة، من القرم إلى حوض المتوسط.
ولا يخفى على المراقب رغبة روسيا في تطوير استراتيجية «التكافل السياسي Political Symbiosis» بينهما لتشمل البلطيق بعد أن أثبت الروس قدرتهم على الثبات في ملفات أخرى مشتركة، لذلك نجدها تحفز الصين على الاهتمام بمصادر الطاقة الكامنة في قاع القطب الشمالي المنحسر للاستفادة من ذلك سياسيا في ملف البلطيق عندما ينتقل الصراع الروسي الأمريكي إلى الأطلنطي.
كل ذلك يضع الولايات المتحدة أمام تحديات كثيرة لإنجاح مشروع تقاسم النفوذ شرق أوسطيا بما يتناسب ورؤيتها العرقية والطائفية، وما اتفاق «كلا» الأخير إلا تمهيد لتثبيت خطوط تلك الرؤية على أرض الواقع عرقيا وطائفيا، لكن تبقى ورقتا «جفش» أو النصرة والأكراد القابلين للتوظيف لاحقا. ففي حين أن الورقة الكردية جزء من الاستراتيجية الأمريكية نجدها لا تعدو كونها ورقة ضغط تكتيكي روسيا. فالتقارب التركي الروسي، ومن خلفه التوافق الرباعي (روسيا، إيران، إسرائيل وتركيا) بات يهدد المشروع الكردي إن هو حصر في مخرجاته العراقية.
أما جفش (جيش فتح الشام) ومن في حكمه فسوف يتلاشى تدريجيا تحت مسميات جديدة سيكون طابعها «سنيا» مدعوما تركيا وقابلا للتمدد جنوبا. فهذا الكيان «السني» سيكون بمثابة ضمان عدم قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، ولضمان عدم تمدد كردستان العراق غربا، وبذلك إنتاج نموذج قابل للاستدامة على غرار التجربة الإيرانية بإنتاجها حزب الله.
وهذا تحديدا ما سوف تقدم عليه تركيا في توظيف «جفش» بمسميات أخرى في خدمة سياسة البندقية وبندقية السياسة على غرار حزب الله اللبناني. العائق السياسي أمام ذلك سيبقى بيعة الجولاني لأمير القاعدة الظواهري، إلا أن العملية التي نفذت في 9 سبتمبر الجاري والتي استهدفت قائدها العام أبوعمر سراقب و39 آخرين من قادة الصف الأول لجفش قد ترسم إحدى الخطوات العملية الأولى في التحلل من تلك البيعة وإظهار أبومحمد الجولاني كقائد سياسي مع احتمال أن تكلفة التحلل من ذلك الإرث قد تطال الجولاني لاحقا.
يبقى السؤال الأخير: هل كان سراقب ورقة تعميد اتفاق «كلا»، أم ورقة اعتماد تركيا في سوريا؟
تلك الجزئية قد تكون ما اتفق عليه كيري ولافروف «كلا» تكتيكيا، فالتدخل التركي في الشمال السوري مرحب به بشرط أن يبقى غرب الفرات وبالعمق الذي اقترحته تركيا تعويضا لها عن شمال شرق الفرات. ويظهر جليا أن البرنامج الذي طرحته تركيا للمنطقة العازلة المقترحة يتجاوز الإغاثي إلى السياسي، لذلك نجدها منهمكة في إعادة صياغة وهيكلة (جفش) لتكون القوة السياسية القادرة على تمثيل مصالحها طويلة الأمد في شمال سوريا. فاستحقاقات نجاح هذا الاتفاق قد يكون ما تبحث عنه واشنطن في تحقيق اختراق يمهد لاحتواء روسيا ليصل لحد الاعتراف بها سياسيا عبر دعم انطلاق مباحثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية من موسكو.
[email protected]
وبالطبع فإن «كلا» هما الثابت في الملف السوري، وكل ما دونهما متغير بما في ذلك حجم الملف الإنساني السوري الذي تجاوز السياسي، لكن يبقى إدراك أن كيري ولافروف هما سايكس وبيكو القرن الحاضر في هيئة جديدة وظروف مغايرة لواقع الخارطة السياسية الكونية لما بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أن روسيا برؤيتها «القيصرية» نجدها اليوم تطالب بتعويض إرثها الضائع في البلقان من بعض حطام الشرق الأوسط الجديد.
فروسيا القيصرية النزعة اليوم هي قوة نووية لا سياسية، لذلك نجدها تعتمد المهادنة لاحتواء طموح جارتها الصين التوسعية في وسط آسيا ضمن استراتيجية طريق الحرير حتى وإن كان ذلك على حساب مصالحها التقليدية، إلا أن روسيا تتحصل مقابل ذلك على دعم صيني اقتصادي وسياسي لا محدود في ملفات عدة، من القرم إلى حوض المتوسط.
ولا يخفى على المراقب رغبة روسيا في تطوير استراتيجية «التكافل السياسي Political Symbiosis» بينهما لتشمل البلطيق بعد أن أثبت الروس قدرتهم على الثبات في ملفات أخرى مشتركة، لذلك نجدها تحفز الصين على الاهتمام بمصادر الطاقة الكامنة في قاع القطب الشمالي المنحسر للاستفادة من ذلك سياسيا في ملف البلطيق عندما ينتقل الصراع الروسي الأمريكي إلى الأطلنطي.
كل ذلك يضع الولايات المتحدة أمام تحديات كثيرة لإنجاح مشروع تقاسم النفوذ شرق أوسطيا بما يتناسب ورؤيتها العرقية والطائفية، وما اتفاق «كلا» الأخير إلا تمهيد لتثبيت خطوط تلك الرؤية على أرض الواقع عرقيا وطائفيا، لكن تبقى ورقتا «جفش» أو النصرة والأكراد القابلين للتوظيف لاحقا. ففي حين أن الورقة الكردية جزء من الاستراتيجية الأمريكية نجدها لا تعدو كونها ورقة ضغط تكتيكي روسيا. فالتقارب التركي الروسي، ومن خلفه التوافق الرباعي (روسيا، إيران، إسرائيل وتركيا) بات يهدد المشروع الكردي إن هو حصر في مخرجاته العراقية.
أما جفش (جيش فتح الشام) ومن في حكمه فسوف يتلاشى تدريجيا تحت مسميات جديدة سيكون طابعها «سنيا» مدعوما تركيا وقابلا للتمدد جنوبا. فهذا الكيان «السني» سيكون بمثابة ضمان عدم قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، ولضمان عدم تمدد كردستان العراق غربا، وبذلك إنتاج نموذج قابل للاستدامة على غرار التجربة الإيرانية بإنتاجها حزب الله.
وهذا تحديدا ما سوف تقدم عليه تركيا في توظيف «جفش» بمسميات أخرى في خدمة سياسة البندقية وبندقية السياسة على غرار حزب الله اللبناني. العائق السياسي أمام ذلك سيبقى بيعة الجولاني لأمير القاعدة الظواهري، إلا أن العملية التي نفذت في 9 سبتمبر الجاري والتي استهدفت قائدها العام أبوعمر سراقب و39 آخرين من قادة الصف الأول لجفش قد ترسم إحدى الخطوات العملية الأولى في التحلل من تلك البيعة وإظهار أبومحمد الجولاني كقائد سياسي مع احتمال أن تكلفة التحلل من ذلك الإرث قد تطال الجولاني لاحقا.
يبقى السؤال الأخير: هل كان سراقب ورقة تعميد اتفاق «كلا»، أم ورقة اعتماد تركيا في سوريا؟
تلك الجزئية قد تكون ما اتفق عليه كيري ولافروف «كلا» تكتيكيا، فالتدخل التركي في الشمال السوري مرحب به بشرط أن يبقى غرب الفرات وبالعمق الذي اقترحته تركيا تعويضا لها عن شمال شرق الفرات. ويظهر جليا أن البرنامج الذي طرحته تركيا للمنطقة العازلة المقترحة يتجاوز الإغاثي إلى السياسي، لذلك نجدها منهمكة في إعادة صياغة وهيكلة (جفش) لتكون القوة السياسية القادرة على تمثيل مصالحها طويلة الأمد في شمال سوريا. فاستحقاقات نجاح هذا الاتفاق قد يكون ما تبحث عنه واشنطن في تحقيق اختراق يمهد لاحتواء روسيا ليصل لحد الاعتراف بها سياسيا عبر دعم انطلاق مباحثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية من موسكو.
[email protected]