سعد التخصصي.. ماذا بعد؟
الثلاثاء - 13 سبتمبر 2016
Tue - 13 Sep 2016
في مطلع عام 2004، شهد القطاع الصحي الخاص بالمملكة نقلة نوعية، حيث بادر مستشفى سعد التخصصي بمدينة الخبر باستقطاب العديد من الأطباء ذوي التخصصات الدقيقة والنادرة من الرياض وجدة والبحرين والكويت، في الوقت الذي راهن الكثير باستحالة قدرة ونجاح تلك النخبة من الأطباء بالعمل خارج المستشفيات التخصصية الحكومية.
لم تكن الرواتب العالية والمكافآت المجزية الحافز الوحيد، بل هي الفرص الثمينة التي أتيحت لهؤلاء الأطباء لصنع أحلامهم. تم إنشاء العديد من البرامج المتقدمة، وتم توظيف المعدات الطبية التشخيصية الحديثة، كما جهزت جميع غرف العمليات بالتقنيات الرقمية، ولم يمض أكثر من عامين حتى أصبح سعد التخصصي رائدا في القطاع الخاص بلا منازع، وفي تلك الفترة الوجيزة تم إجراء العديد من العمليات المتقدمة في كافة التخصصات قام بها أطباء مهرة ذوي تأهيل وخبرات عالية، استثمروا الدعم اللامحدود الذي قدم لهم. وساهموا بشكل واضح بالنهوض بالقطاع الصحي الخاص وتطويره. لقد كان العمل على كافة الأصعدة مبهرا ومذهلا حتى أصبح سعد التخصصي صرحا يثير الإعجاب ويبعث على الفخر. ونتيجة لهذا العمل الدؤوب نالت الخدمات الطبية العالية الجودة التي تميز بها المستشفى أعلى علامات التصنيف والجودة من عدة هيئات طبية حتى إن هيئة JCIA منحته وفي نشرة رسمية أفضل تصنيف لمستشفى خاص خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد مرور خمسة أعوام على ذلك الحلم تبدل الحال، فالأزمة الاقتصادية التي عصفت بكثير من المؤسسات المالية العالمية في عام 2009 ألقت بظلالها على هذا الصرح الطبي، ثم إن الخلافات المالية الكبرى بين عائلتي الصانع والقصيبي الكريمتين تسببت في تجميد المليارات من الدولارات خارج وداخل المملكة لحين النظر والفصل في هذا النزاع. ولأن القائمين على هذا الصرح أخفقوا في إيجاد آلية للتواصل مع منسوبيه، ولأنهم لم يبذلوا أدنى جهد لمحاولة طمأنتهم فقد خلق هذا حالة من انعدام اليقين مما عجل برحيل الأطباء (وكنت أحدهم) بالإضافة لرحيل كبار التنفيذيين.
استمر المستشفى في الأعوام السبعة الماضية بتقديم الخدمات الصحية، صحيح أنها لم تكن بنفس الزخم ونفس الكفاءة، إلا أن الرهان كان معقودا على عامل الزمن وأن تلك الضائقة المالية إلى زوال، وأن الدور العظيم لهذا الصرح تجاه المجتمع سيعود يوما لسابق عهده لأنها رؤية القائمين عليه والتي ينبغي ألا تموت.
ورغم التأخير في صرف رواتب الموظفين في الأعوام الأربعة الماضية إلا أن إيمان الجميع بقدرة هذا المكان على تجاوز أزمته هو الذي مكنّهم من الاستمرار، فالعمل استمر بنفس الوتيرة، وظلّت خدمات العناية المركزة بإشراف الزميل الدكتور سامر قارة وزملائه بنفس الكفاءة والجودة لتبقى شاهدا حيا على عصر مضى.
وإذا أردنا أن نكون منصفين فإن المستشفى كان قادرا على تغطية مصاريفه ورواتب موظفيه والاستمرار بتقديم خدماته الطبية للمجتمع، إلا أن القضايا محل النزاع والتي طالت أكثر مما ينبغي، عطّلت من أعمال الشركة الأم وبالتالي أصبحت بحاجة للسيولة التي أصبح المستشفى هو المصدر الوحيد لها.
على ضوء ما حدث، ولكي يثق الأطباء والموظفون أن هذا المكان قادر على الصمود والاستمرار، فقد كانوا بحاجة إلى التواصل مع الملاك والاستماع إلى توضيحاتهم حيال واقع الأمر، إلا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث مما أدّى مجددا إلى المزيد من تصدع الثقة وفقدان المصداقية، حتى أصبح الانطباع السائد، أن القائمين عليه غير جادين بما فيه الكفاية لتحمل المسؤولية.
ونظرا لانتفاء وغياب الاستشارة لدى الملاّك وعدم استعدادهم للاستماع للآراء المُخلصة والمختلفة، فقد نشأت مشاكل كبيرة وخطيرة لطرفي العلاقة، ولّدت الكثير من الاستياء والمرارة، أُلغيت الامتيازات والبدلات ولم تُصرف الرواتب لأربعة أشهر، كما عُطلّت مكافأة نهاية الخدمة لمن قرّر الرحيل بطرق لا تتماشى مع قوانين العمل والعمال، ولا يقبلها الضمير العربي المسلم، في حين كان قد أوصانا سيد الخلق أن نعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. إن الأخبار التي تردنا عمّا آل إليه حال الزملاء الأطباء العرب ذوي التخصصات النادرة والتجربة الطويلة يندى لها الجبين فالكثير منهم لديه ارتباطات مالية تتعلق بدراسة أبنائهم أو أقساط منزلية تعثر سدادها. كما أن غياب الشفافية لم يُتح لهم دراسة الخيارات الأخرى في توقيتٍ ملائم، فأصبحوا في وضع غير مقبول للغاية، مما انعكس على الخدمات الطبية التي تميزوا بتقديمها لمرضاهم، كما أن القصور الهائل في الإمدادات الطبية وعدم القدرة على دفع مستحقات الشركات الطبية المتعهدة زاد من تعقيد الأمور، بحيث أصبحت العناية بالمرضى وتطبيق معايير السلامة محل شك وعدم يقين.
الآن ونحن في سنوات العزم، فإنه قد آن الأوان أكثر من أي وقت مضى للتدخل بشكل عاجل وفوري من الدولة التي تملك قوانين حماية الأجور وقوانين أخرى تتعلق بتعثر المنشآت الخاصة المعنية مباشرة بالمواطن والمجتمع، إن الأزمة الراهنة المالية بين العائلتين الكريمتين والتي طالت لسبعة أعوام ألقت بظلالها على الخدمات الصحية لأهم مرفق صحي خاص في تاريخ المملكة.
نحن بحاجة إلى قرارٍ سيادي من ولاة الأمر أطال الله أعمارهم، سيكون هذا القرار هو الوحيد القادر على إنقاذ هذا الصرح وفصله تماما عن ذلك التشابك الذي طال أمده، كما أنه قادر أيضا على الإيعاز وبشكلٍ عاجل للوزارات المعنية وهي الصحة والعمل والمالية والقضاء، للعمل بهمة وجدية والتنسيق فيما بينها للخروج بنتائج وحلول جذرية دون تسويف أو مماطلة.
وحين تصدر الإرادة الكريمة المأمولة بالبحث عن الحل لإنقاذ هذا الصرح، فإن الطريق سيكون ممهدا لكثير من الحلول، يتعينّ مشاركة كل من له تجربة وخبرة، وألا يترك للمنظرين بل من الممكن منح فرصة لمستثمر أو مجموعة من المستثمرين بضمان ودعم حكومي بشرط استمرار المستشفى بتقديم خدماته بذات الجودة التي اعتادها المجتمع، لن تكون هنالك مصاعب في إدارته لأن المشاكل الحالية هي تشغيلية وليست إنشائية. كما أن أبسط الاحتمالات إمكانية هو استحواذ وزارة الصحة عليه بعد الاتفاق مع الملاك، ولعلها فرصة سانحة للوزارة في ظل الرؤية الجديدة والتوجه نحو الخصخصة بحيث يكون نموذجا جاهزا لما يجب أن تكون عليه مستشفيات الوزارة التي تستطيع تقديم خدمات مميزة بمواردها الذاتية، بعد أن يتم إبرام العقود مع الشركات الصناعية الكبرى بالمنطقة مثل أرامكو وسابك بالإضافة لشركات التأمين والضمان الصحي.
سلطان فهيد التمياط - طبيب مهتم في الشأن الصحي العام
لم تكن الرواتب العالية والمكافآت المجزية الحافز الوحيد، بل هي الفرص الثمينة التي أتيحت لهؤلاء الأطباء لصنع أحلامهم. تم إنشاء العديد من البرامج المتقدمة، وتم توظيف المعدات الطبية التشخيصية الحديثة، كما جهزت جميع غرف العمليات بالتقنيات الرقمية، ولم يمض أكثر من عامين حتى أصبح سعد التخصصي رائدا في القطاع الخاص بلا منازع، وفي تلك الفترة الوجيزة تم إجراء العديد من العمليات المتقدمة في كافة التخصصات قام بها أطباء مهرة ذوي تأهيل وخبرات عالية، استثمروا الدعم اللامحدود الذي قدم لهم. وساهموا بشكل واضح بالنهوض بالقطاع الصحي الخاص وتطويره. لقد كان العمل على كافة الأصعدة مبهرا ومذهلا حتى أصبح سعد التخصصي صرحا يثير الإعجاب ويبعث على الفخر. ونتيجة لهذا العمل الدؤوب نالت الخدمات الطبية العالية الجودة التي تميز بها المستشفى أعلى علامات التصنيف والجودة من عدة هيئات طبية حتى إن هيئة JCIA منحته وفي نشرة رسمية أفضل تصنيف لمستشفى خاص خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد مرور خمسة أعوام على ذلك الحلم تبدل الحال، فالأزمة الاقتصادية التي عصفت بكثير من المؤسسات المالية العالمية في عام 2009 ألقت بظلالها على هذا الصرح الطبي، ثم إن الخلافات المالية الكبرى بين عائلتي الصانع والقصيبي الكريمتين تسببت في تجميد المليارات من الدولارات خارج وداخل المملكة لحين النظر والفصل في هذا النزاع. ولأن القائمين على هذا الصرح أخفقوا في إيجاد آلية للتواصل مع منسوبيه، ولأنهم لم يبذلوا أدنى جهد لمحاولة طمأنتهم فقد خلق هذا حالة من انعدام اليقين مما عجل برحيل الأطباء (وكنت أحدهم) بالإضافة لرحيل كبار التنفيذيين.
استمر المستشفى في الأعوام السبعة الماضية بتقديم الخدمات الصحية، صحيح أنها لم تكن بنفس الزخم ونفس الكفاءة، إلا أن الرهان كان معقودا على عامل الزمن وأن تلك الضائقة المالية إلى زوال، وأن الدور العظيم لهذا الصرح تجاه المجتمع سيعود يوما لسابق عهده لأنها رؤية القائمين عليه والتي ينبغي ألا تموت.
ورغم التأخير في صرف رواتب الموظفين في الأعوام الأربعة الماضية إلا أن إيمان الجميع بقدرة هذا المكان على تجاوز أزمته هو الذي مكنّهم من الاستمرار، فالعمل استمر بنفس الوتيرة، وظلّت خدمات العناية المركزة بإشراف الزميل الدكتور سامر قارة وزملائه بنفس الكفاءة والجودة لتبقى شاهدا حيا على عصر مضى.
وإذا أردنا أن نكون منصفين فإن المستشفى كان قادرا على تغطية مصاريفه ورواتب موظفيه والاستمرار بتقديم خدماته الطبية للمجتمع، إلا أن القضايا محل النزاع والتي طالت أكثر مما ينبغي، عطّلت من أعمال الشركة الأم وبالتالي أصبحت بحاجة للسيولة التي أصبح المستشفى هو المصدر الوحيد لها.
على ضوء ما حدث، ولكي يثق الأطباء والموظفون أن هذا المكان قادر على الصمود والاستمرار، فقد كانوا بحاجة إلى التواصل مع الملاك والاستماع إلى توضيحاتهم حيال واقع الأمر، إلا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث مما أدّى مجددا إلى المزيد من تصدع الثقة وفقدان المصداقية، حتى أصبح الانطباع السائد، أن القائمين عليه غير جادين بما فيه الكفاية لتحمل المسؤولية.
ونظرا لانتفاء وغياب الاستشارة لدى الملاّك وعدم استعدادهم للاستماع للآراء المُخلصة والمختلفة، فقد نشأت مشاكل كبيرة وخطيرة لطرفي العلاقة، ولّدت الكثير من الاستياء والمرارة، أُلغيت الامتيازات والبدلات ولم تُصرف الرواتب لأربعة أشهر، كما عُطلّت مكافأة نهاية الخدمة لمن قرّر الرحيل بطرق لا تتماشى مع قوانين العمل والعمال، ولا يقبلها الضمير العربي المسلم، في حين كان قد أوصانا سيد الخلق أن نعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. إن الأخبار التي تردنا عمّا آل إليه حال الزملاء الأطباء العرب ذوي التخصصات النادرة والتجربة الطويلة يندى لها الجبين فالكثير منهم لديه ارتباطات مالية تتعلق بدراسة أبنائهم أو أقساط منزلية تعثر سدادها. كما أن غياب الشفافية لم يُتح لهم دراسة الخيارات الأخرى في توقيتٍ ملائم، فأصبحوا في وضع غير مقبول للغاية، مما انعكس على الخدمات الطبية التي تميزوا بتقديمها لمرضاهم، كما أن القصور الهائل في الإمدادات الطبية وعدم القدرة على دفع مستحقات الشركات الطبية المتعهدة زاد من تعقيد الأمور، بحيث أصبحت العناية بالمرضى وتطبيق معايير السلامة محل شك وعدم يقين.
الآن ونحن في سنوات العزم، فإنه قد آن الأوان أكثر من أي وقت مضى للتدخل بشكل عاجل وفوري من الدولة التي تملك قوانين حماية الأجور وقوانين أخرى تتعلق بتعثر المنشآت الخاصة المعنية مباشرة بالمواطن والمجتمع، إن الأزمة الراهنة المالية بين العائلتين الكريمتين والتي طالت لسبعة أعوام ألقت بظلالها على الخدمات الصحية لأهم مرفق صحي خاص في تاريخ المملكة.
نحن بحاجة إلى قرارٍ سيادي من ولاة الأمر أطال الله أعمارهم، سيكون هذا القرار هو الوحيد القادر على إنقاذ هذا الصرح وفصله تماما عن ذلك التشابك الذي طال أمده، كما أنه قادر أيضا على الإيعاز وبشكلٍ عاجل للوزارات المعنية وهي الصحة والعمل والمالية والقضاء، للعمل بهمة وجدية والتنسيق فيما بينها للخروج بنتائج وحلول جذرية دون تسويف أو مماطلة.
وحين تصدر الإرادة الكريمة المأمولة بالبحث عن الحل لإنقاذ هذا الصرح، فإن الطريق سيكون ممهدا لكثير من الحلول، يتعينّ مشاركة كل من له تجربة وخبرة، وألا يترك للمنظرين بل من الممكن منح فرصة لمستثمر أو مجموعة من المستثمرين بضمان ودعم حكومي بشرط استمرار المستشفى بتقديم خدماته بذات الجودة التي اعتادها المجتمع، لن تكون هنالك مصاعب في إدارته لأن المشاكل الحالية هي تشغيلية وليست إنشائية. كما أن أبسط الاحتمالات إمكانية هو استحواذ وزارة الصحة عليه بعد الاتفاق مع الملاك، ولعلها فرصة سانحة للوزارة في ظل الرؤية الجديدة والتوجه نحو الخصخصة بحيث يكون نموذجا جاهزا لما يجب أن تكون عليه مستشفيات الوزارة التي تستطيع تقديم خدمات مميزة بمواردها الذاتية، بعد أن يتم إبرام العقود مع الشركات الصناعية الكبرى بالمنطقة مثل أرامكو وسابك بالإضافة لشركات التأمين والضمان الصحي.
سلطان فهيد التمياط - طبيب مهتم في الشأن الصحي العام