منى عبدالفتاح

التغير والضبط الاجتماعي

الاثنين - 12 سبتمبر 2016

Mon - 12 Sep 2016

يؤدي التغير الاجتماعي خاصة في الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها وطننا العربي إلى حدوث تغير في بناء الأسرة؛ مما يؤدي بدوره إلى نمو الأسرة أو تحجيمها أو تفككها. والتغير الاجتماعي خاصية أساسية تتميز بها الحياة الاجتماعية، فهو سبيل بقائها ونموها، وبه يتهيأ لها التوافق مع الواقع ويتحقق التوازن والاستقرار الاجتماعي، وعن طريقه تواجه الجماعات متطلبات أفرادها وحاجاتهم المتجددة.



إن المتتبع لعمليات التفاعل الاجتماعي يستطيع أن يكشف ما يطرأ من تغير في نمط التفاعل وفي المعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية، فالتغير الاجتماعي يتناول كل مقومات الحياة الاجتماعية والنظم والعلاقات الإنسانية.



أما التغير الاجتماعي عند «غي روشيه» فله صفات محددة يمكن أن تساهم في فهم هذه العملية وهي أنه ظاهرة عامة ومنتشرة لدى فئات واسعة من المجتمع بحيث يغير مسار حياتها، كما أنه يُعتبر كل تحول يصيب البناء الاجتماعي، ويكون محددا بفترة زمنية معينة، ويتصف التغير الاجتماعي بالديمومة والاستمرارية، أي ليس موقتا سريع الزوال حيث يصعب فهمه.



إن البعد السلوكي لظاهرة التغير الاجتماعي هو البعد الذي يحدد بصورة فعالة حدوث التغير الاجتماعي المصحوب بتغير في قيم الناس واتجاهاتهم وعاداتهم السلوكية، بما يتوافق مع النسق الاجتماعي الجديد. وتقابل عملية التغير الاجتماعي عملية الضبط الاجتماعي وهي العملية التي تحاول بها الجماعة أو المجتمع عدم التمكين لأي تغير غير مرغوب فيه أن يحدث، وهي التي يتم عن طريقها توجيه سلوك الأفراد بحيث لا ينحرف عن معايير الجماعة حتى يتحقق التوازن الاجتماعي، وهناك نمطان أساسيان للضبط الاجتماعي أولهما الثواب أو العقاب المادي أو المعنوي وثانيهما الإقناع.



لا يوجد مجتمع لا يتغير ويبدو المجتمع مستقرا ساكنا سائرا في إنجاز وظائفه في هدوء طوال أجيال متعاقبة، ولكنه حين يصل إلى درجة من التجمع الحضاري يبدأ في التغير بسبب وجود قوى تعمل في أعماقه لتجديد الاتساق أو لتأسيس نظم جديدة. ومن أهم ملامح التغير الاجتماعي وما يهمنا هنا هو تغير الأسرة من حيث حجمها ووظائفها والمراكز الاجتماعية لأركانها وعناصرها وعادات الزواج بها ووسائل تكوينها وعوامل استقرارها وتفككها. وكذلك تغير الشكل الأسري من الأسرة الكبيرة إلى الأسرة الصغيرة المستقلة اقتصاديا عن الأسرة الكبيرة. وأيضا خروج المرأة من دائرة البيت الضيقة إلى مجتمع العمل والإنتاج وما إلى ذلك من دعم اقتصادي للأسرة والمجتمع وما يتبع هذه الملامح من تغير بعض القيم الاجتماعية التقليدية التي كانت تسود المجتمع وتحكم سلوك أفراده.



ولكي تنجح عملية التغير المرادة فلا بد من دعمها بالدراسة العلمية الشاملة للقيم والاتجاهات والمعايير السائدة، ودراسة العوامل المؤثرة فيها وتقييمها تمهيدا لتقويمها وتغييرها في ضوء ما هو مرغوب فيه عن طريق الأجهزة التربوية والإعلامية. ويدعم أفراد الأسرة هذه العملية بالاستيعاب حتى لا يحدث شرخ ثم انهيار وانحلال مادي أو معنوي نتيجة عدم المواكبة بين التغييرات التي تطرأ على مظهر دون آخر.



وتعتبر أغلب الدراسات أن ظاهرة التغير في هذا العصر من أهم المسائل التي تشغل الفكر الاجتماعي الحديث، وخاصة في أزمان الحروب. فقد تم رصد العديد من النتائج التي أدت إلى تغيرات سالبة في فترات حروب الخليج الأولى والثانية وما بعدها من حروب في العراق وسوريا والحرب التي يقودها تنظيم داعش. وبالرغم من ذلك فقد أخذت الجهود تتجه نحو التغيير المخطط من أجل إحداث تنمية حقيقية هادفة، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه.



لم يعد حدوث التغير يسير تلقائيا بسبب هذه التأثيرات التي تحتاج إلى مجهود لتجاوزها. كان التغيير الاجتماعي فيما قبل يسير بشكل سلس، أما الآن فلا بد من تغيير مقصود وإرادي باستحداث المناهج والتغلب على الظروف والصعوبات التي تعوق العملية بشكلٍ إيجابي.