الرحلة بـ"اقرأ" من غار حراء إلى: "اكتب" في صحيفة مكة

الحبلُ الموصولُ، ما بين السماء والأرضِ، لم يكن سوى مفردة: «اقرأ» المفتولةِ بعُرَى الوحي. وحيثما كانت القراءة فثمَّ حبل الله المتين موصولاً لا يتصرّم وما يَنبغي له، في حين أنّ مآلَ الحبلِ أن يَبلَى، إيذاناً بالانقطاع، وذلك كلما كان الكفّ عن القراءة يأتي شيئاً فشيئاً فيحلُّ حينذاك سخطُ الله.. ليغيب المعنى: «الرسالي» ويضربُ -تالياً- الجهل بجرانه أرضنا!

الحبلُ الموصولُ، ما بين السماء والأرضِ، لم يكن سوى مفردة: «اقرأ» المفتولةِ بعُرَى الوحي. وحيثما كانت القراءة فثمَّ حبل الله المتين موصولاً لا يتصرّم وما يَنبغي له، في حين أنّ مآلَ الحبلِ أن يَبلَى، إيذاناً بالانقطاع، وذلك كلما كان الكفّ عن القراءة يأتي شيئاً فشيئاً فيحلُّ حينذاك سخطُ الله.. ليغيب المعنى: «الرسالي» ويضربُ -تالياً- الجهل بجرانه أرضنا!

الأربعاء - 15 يناير 2014

Wed - 15 Jan 2014



الحبلُ الموصولُ، ما بين السماء والأرضِ، لم يكن سوى مفردة: «اقرأ» المفتولةِ بعُرَى الوحي. وحيثما كانت القراءة فثمَّ حبل الله المتين موصولاً لا يتصرّم وما يَنبغي له، في حين أنّ مآلَ الحبلِ أن يَبلَى، إيذاناً بالانقطاع، وذلك كلما كان الكفّ عن القراءة يأتي شيئاً فشيئاً فيحلُّ حينذاك سخطُ الله.. ليغيب المعنى: «الرسالي» ويضربُ -تالياً- الجهل بجرانه أرضنا!

فالمعنى (الحقُّ) إذن، معقودٌ بنواصي: «القراءة» إلى قيام الساعةِ، وإذا ما قامت هذه الأخيرةُ، وفي يد أحدكم: «كتابٌ»، فليتم قراءته حتى آخر رمقِ حرفٍ من حياتِه!

وما من نبيٍّ مِن الأنبياءِ، إلا وقد أتى قومَه بمعجزةٍ، ليس من شأنها، غير أن تخاطب فيهم: «حواسهم»، فيما أتى محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم (العالمينَ) بـ: «قرآن.. كتاب» مبين، كان من شأنه أنْ يخاطب فيهم: «عقولهم»، وليس له من سبيل في تحقيق ذلك إلا: «القراءة». ومن هنا عرفنا لِمَ: «جبريل» استبدلَ: «اقرأ» بـ: «السلام» في أول لقاءٍ يجمعه بخاتم الأنبياء.

في الصحيح أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: «ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».

وبشيءٍ من تأمل في بِنيةِ هذا الحديث يمكن القول: إن الخطاب بـ: «اقرأ» هو أكثر أثراً في: «الاتباع» من التعويل على المعجزات -والغيبيات.. فليتفطن لهذا: «المعنى» الكثير من الدعاة– والوعّاظ، من أولئك الذين آثروا منهج بني إسرائيل على منهج محمد صلى الله عليه وآله وسلم!

ذلك الكتاب الذي كانت فيه: «اقرأ» نبوّةً أولى تتنزّل على: «أُميٍّ» قد توافر على شروطٍ أجملها الله في سورة الأعراف: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».

ولأنها شريعةُ: «اقرأ»، فلقد كان قوامُها: (رفع الحرج)، وعليه يمكنني أن أمضي إلى ما هو أبعد من ذلك، حين القول: إن إبطال شرعة التخفيف (ويضع عنهم إصرهم والأغلال) هو إبطالٌ لما كانت عليه: «رسالة محمد» من التميّز، والذي لم يَسبِق أن كانت عليه الرسالاتُ فيما مضى، كما وأن تغييب سنّة: «التّيسير» هو سلبٌ لأجل ما كان عليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم من صفاتٍ جُبِلَ عليها، إذ هو بأبي وأمي: «بالمؤمنين رؤوف رحيم» وقال صاحبه أبو برزة الأسلمي: «صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت تيسيره» والنصوص في هذا أكثر من أن تحصر فتذكر.

وعلى أيّ حالٍ، فإنّ النزوع إلى التشديد.. وأخذ الناس إلى الطاعات سوقاً بالعصا.. هو منهجٌّ فاسدُ الاعتبارِ ديانةً وفقهاً، وحسبكَ به منهجاً مرذولاً، أنّه إنما قد تكوّن في الزمن الذي خفت فيه صوت الأمر بـ: «اقرأ»!

ولمن شاء منكم استقامةً فليُشِعْ في نفسه -وفي الناس- خطاب الوحي الأول: (اقرأ) وليُعِدْ إليه ألقه ونضارته.

ولئن ابتغيتَ أن تعرف أيّ حظٍّ لأمة محمدٍ، بين الأمم، فانظر إلى علاقتها بـ: «القراءة» و: «الكتاب» ذلك أنهما سيسفران لك عن الوضعية التي آلت إليها حال هذه الأمة!

والمفلحون في هذه الأمةِ، على ندرتهم، هم أولئك الذين لا يفتؤون في الجمعِ فيما بين القراءتين: في كتابيّ الله تعالى.. الكتاب المسطور (القرآن) والكتاب المنظور (الكون). وإنهم لبهذا الاشتغال المنهاجيِّ قرآناً، ليسوا بدعا، ذلك أنهم لم يتجاوزوا دال القرآن في سورة العلق: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» ونرى إذن -حسب د. طه العلواني- ومنذ هذا الإشراق الأول أن ثمة أمرًا بقراءتين:

الأولى: قراءة في الخلق «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ»، ولا شك أن هذه القراءة في الخلق لها أبجدياتها ولها آلياتها ولها خطواتها ولها مؤشرات تقويمها. والقراءة الثانية التي تبرز: هي القراءة في الكتاب المسطور «اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ».

وتأتي صحيفةُ: «مكة»، بما لها من خصائص مكانيّة/ وتأريخية، لتأخذنا في مدٍّ: «معرفيٍّ» مشدودٍ بعروة: «الرّشد» الوثقى، غير أنّها لم تشأ -هذه المرةِ- أن تبتذل في: «خِطابها»، فتستنسخ إذ ذاكَ تجارب الآخرين، وإنما آلت على نفسها أن تُكابد مشاقَ الفرادة، وذلك في جمعِها بين الفعلين المحرضين على تفعيل: «العقل» على نحوٍ يحفل بـ:»القارئ» كمتلقٍ/ ناقد، وبوصفهِ الرقيب العتيد، الذي يأبى -وبأي حالٍ- أن يغضّ طرفه عمّا لا يكون مميزاً في صحيفته: «مكة».

وبكلٍّ.. فإنما عنيتُ بهذين الفعلين المحرضين على تفعيل: «العقل» ودوره في القراءة والفحص، أقول: إنما عنيتُ بهما الأمر بفعل: «اقرأ» الخاصة بك -أنت كمتلقٍ- وهي هاهنا ليست فعل أمر وحسب وإنما جاءت وهي مثقلةٌ بحمولة تحدٍّ فيما بينك وبين ما تقرؤه، بينما نحن -المتورطون بهذه المغبّة- قد حرّضتنا «مكةُ- الصحيفة» قبلا بـ: «اكتب» المثقلة بعبْء أمانة الكلمةِ وبجودةِ الصّنعة.

كل الذي أعيه، أن هذه النوبة الكتابية، وجدتني قِبالةَ قارئٍ من نوعٍ آخر، يفترض عليَّ أن أكتبَ شيئاً مختلفاً.. ويليقُ به.