ما الذي استفاده الإنسان البسيط من الربيع العربي؟!
حرب أهلية في سوريا وظهور تنظيم داعش، واقتتال في ليبيا وعودة للحرس القديم في تونس وتفكك في اليمن، وتردي الأوضاع في مصر
حرب أهلية في سوريا وظهور تنظيم داعش، واقتتال في ليبيا وعودة للحرس القديم في تونس وتفكك في اليمن، وتردي الأوضاع في مصر
الأربعاء - 24 ديسمبر 2014
Wed - 24 Dec 2014
حرب أهلية في سوريا وظهور تنظيم داعش، واقتتال في ليبيا وعودة للحرس القديم في تونس وتفكك في اليمن، وتردي الأوضاع في مصر.
هذه هي محصلة الربيع العربي بشكل مجمل.
وقد يتساءل الإنسان البسيط: ماذا استفاد الناس من الربيع العربي؟! أليس الاستقرار مع ضنك العيش أجدى من الفوضى والدمار والأشلاء؟! تساؤلات هذا الإنسان لن تشبعها أحاديث إخفاقات الثورة الفرنسية، وتجربة تحرير العبيد المريرة في أمريكا، ومعوقات المرحلة الانتقالية ومسار التحول الديمقراطي العسير.
وحده الذي يشبع تساؤلات الإنسان الحاجات ولا شيء غير الحاجات.
ولنكن متسامحين بعض الشيء مع الإنسان الباحث عن حاجته، فحتى في الدول الغربية ذات الديمقراطية العريقة، لا يكترث الإنسان لجرائم وإمبريالية حكومته وهيمنة رجال المال على السياسة، ولا ما تفعله وما تنفقه هذه الحكومات على التسليح والاستثمار في سوق الحرب.
فكل ما يشغل مخيلة الناخب هناك هو كم عليه أن يدفع من الضرائب! بوش الأب على سبيل المثال أخذت الحرب الباردة وحرب الخليج جل اهتمامه، فاستغل ذلك خصمه بيل كلينتون ووضع شعار حملته: “إنه الاقتصاد يا غبي” فاستطاع الوصول للبيت الأبيض واستطاع أيضا أن يسهم في خلق ملايين الوظائف.
لكن الشعب الأمريكي أسكرته تلك البحبوحة وانتخب بوش الابن مرة أخرى، الذي قضى لاحقا على تلك الفرص الوظيفية! لنعد إلى إرهاصات عصر التنوير، فيقول ويل ديوراينت: إن الإصلاح الديني كان أحد أسباب التنوير، ولم يكتسب الإصلاح الديني شعبيته لولا إدراك الناس لفساد الكنيسة وتناحر رجال الدين على المناصب الدينية وتحالفهم مع الأمراء الإقطاعيين.
وبالطبع تأثير ذلك أولا على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.
لدينا نحن في العالم العربي أجهضت الحياة النيابية منذ حقبة الخمسينيات بسبب فشل الحكومات في إصلاح الوضع الاقتصادي.
بينما نجحت الحكومات العسكرية التي أتت بالانقلاب بتحقيق انتعاش اقتصادي، فزهد الناس بالديمقراطية وأصبحت الانقلابات سمة أساسية للحياة السياسية آنذاك، في العراق مثلا كان يعيش 6 ملايين عربي في السبعينيات وسط نمو اقتصادي بينما الحكومة كانت تسير نحو النموذج الستاليني ولم يكترث لذلك أحد، وفي الخليج قلة عدد السكان جعلت الحياة - حتى مع تقلبات سوق النفط - في مستوى الرفاه.
وفي مصر كان الجنيه في آخر عهد ناصر يعادل 7 ريالات والناس قد شغلوا باختيار تصاميم واجهات منازلهم، وفي سوريا كان السكان في السبعينيات أربعة ملايين في وضع اقتصادي جيد.
ما أريد أن أقوله هنا هو أنه لم يعد بالإمكان إصلاح الوضع سيما على أيدي من أوصلوه إلى هذا الحد، فهناك تحد إقليمي وقوى إقليمية صاعدة كتركيا وإيران، واستقطاب طائفي، وهنا تخلف صناعي وتنموي يحتاج لعصا سحرية للقضاء عليه، وشح في الموارد مقابل انفجار سكاني ونخب سياسية فاسدة.
وقد أدركنا الآن الحقيقة المؤلمة وهي أن ما استفاده الإنسان البسيط من الربيع العربي هو أن البحث عن الحاجات الآنية هو ما أوصلنا إلى هذه الحال، والربيع العربي لم يكن خيارا بقدر ما كان مآلا لا محيد عنه.
تساؤلات هذا الإنسان لن تشبعها أحاديث إخفاقات الثورة الفرنسية، وتجربة تحرير العبيد المريرة في أمريكا، ومعوقات المرحلة الانتقالية ومسار التحول الديمقراطي العسير، الذي يشبعها الحاجات ولا شيء غيرها