صالح عبدالله كامل

الحج دنيا ودين واجتماع لكلمة المسلمين

السوق
السوق

الأحد - 11 سبتمبر 2016

Sun - 11 Sep 2016

قارئي العزيز: كل عام وأنت بخير.. كل عام ودينك بخير.. كل عام ووطنك وأهلك بخير.



حقا؛ فالعيد هو أيام الفرح ومواسم السرور، ولهول ما نشهده في ربوع أوطاننا المحيطة بنا لم يعد العيد كذلك، نسأل الله جميعا أن يعيد الأعياد على أمتنا وهي متوشحة ثوب الفرح، وحاصدة للبهجة والسرور.



وكم أحمد الله أن أفراح المؤمنين، ومواسم سرورهم في هذه الدنيا الفانية، إنما هي بمولاهم وربهم الكريم الغفور، حين يفوزون بإكمال طاعته، ويغنمون رضاه وجنته، وينالون ثواب أعمالهم واثقين بوعده لهم بفضله ومغفرته، كما قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) يونس 58.



وكان فؤادي خاليا قبل حبكم

وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح

فلما دعا قلبي هواك أجابه

فلست أراه عن فنائك يبرح

رميت ببعد منك إن كنت كاذبا

وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح

وإن كان شيئا في البلاد بأسرها

إذا غبت عن عيني لعينك يلمح

فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل

فلست أرى قلبي لغيرك يصلح



إنه حقا العيد الحقيقي يوم رجوع العبد قلبا وروحا وفكرا إلى خالقه وباريه، ورازقه ومكرمه ومغنيه، وإن كان للشدائد نفع فلا شك أنه العود والمرد الجميل إلى الخالق العظيم الجليل.

لما قدم النبي، عليه صلوات ربي وملائكته وسلام الناس أجمعين، إلى المدينة المنورة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال «إن الله قد أبدلكم يومين خيرا منهما، يوم الفطر، والأضحى».



وها هو اليوم، العيد الثاني، بعد الفطر، عيد الأضحى المبارك، عيد النحر، وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مترتب على إكمال الحج - وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم، وإنما يكمل الحج بيوم عرفة، والوقوف فيه بعرفة، فإنه ركن الحج الأعظم، كما قال الحبيب، عليه الصلاة والسلام «الحج عرفة»، ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله فيه من النار من وقف فيها ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين بفضله وإحسانه، رحمة من لدنه وتخفيفا على سائر عباده المؤمنين.



فالله تعالى جعل الحج فريضة العمر لا فريضة كل عام، بخلاف الصيام فإنه فريضة كل عام. فإذا كمل يوم عرفة - وقد اكتمل بحمد الله - وأعتق فيه عباده المؤمنين من النار، اشترك المسلمون كلهم في العيد. وشرع للجميع التقرب إلى الله بالنسك وهو إراقة دماء القرابين. فأهل الحج يرمون الجمرة، ويشرعون في التحلل من إحرامهم بالحج، ويقضون تفثهم، والتفث: هو الشعث والغبرة، بعدما مكث الحجاج أياما طويلة في الإحرام، ليعودوا إلى التجمل على الحال التي كانوا عليها قبل الإحرام، ويوفون نذورهم، ويقربون قرابينهم ثم يطوفون بالبيت العتيق، فيما أهل الأمصار يجتمعون على ذكر الله، وتكبيره والصلاة والنحر، الذي يجتمع في عيد النحر أفضل من الصلاة والصدقة التي في عيد الفطر، وقد قيل الخروج يوم الفطر له أجر عمرة، والخروج يوم الأضحى له أجر حجة، وكأن الله يريد أن يدخل الرضا والطمأنينة على قلوب عباده الذين لم يستطيعوا إلى الحج سبيلا، ولهذا أمر رسول الله، عليه الصلاة والسلام، أن يجعل شكره لربه على إعطائه الكوثر أن يصلي لربه وينحر، وقيل له: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الأنعام 162، ولهذا ورد الأمر بتلاوة هذه الآية الكريمة عند ذبح الأضاحي.



والأضاحي سنة سيدنا إبراهيم الخليل، عليه وعلى أنبياء الله الصلاة والسلام، فإن الله شرعها لإبراهيم حين فدى ولده - الذي أمر بذبحه - بذبح عظيم، ولنا فيها كما قال الحبيب المصطفى، عليه الصلاة والسلام، بكل شعرة حسنة. وتلخص الآية الكريمة الثامنة والعشرون من سورة الحج.. الحج بإيجاز وإعجاز: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) المنافع هي منافع الدنيا للبدن والربح والتجارة، ومنافع الآخرة هي رضوان الله. هذا هو الحج دنيا ودين، واجتماع لكلمة المسلمين الذين تحاول الأهواء تفريقهم ويأبى الله إلا أن نكون خير أمة أخرجت للناس.



أما ما من الله به على بلاد الحرمين الشريفين من نعمة وخير، وما وفق إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي ندعو له بمزيد من الصحة والخير والعافية، ولولي عهده الأمين وولي ولي عهده الكريم، ولكل الرجال المخلصين في هذه الدولة الأمينة الحريصة على الوفاء التام بكل التزاماتها تجاه مواطنيها على مدار العام، وتجاه حجاج بيت الله الحرام وضيوفه الكرام في كل موسم وفي كل مناسبة، لتزيد صدور الحاقدين نارا على نارها، ولتخرس ألسنة المشككين الذين أعيتهم الحيلة، وأعماهم البغض عن رؤية الحقيقة البلجاء، التي أجمع العالم كله على نصاعتها مقدرين هذا الدور العظيم الذي تقوم به المملكة العربية السعودية لاستقبال وخدمة ضيوف الرحمن في كل عام، والمتابع عن كثب للتوجيه والرعاية التي يقوم بها مليكنا المفدى، والمتابعة الدائمة والدؤوبة لولي عهده رئيس لجنة الحج العليا، ومستشار خادم الحرمين الشريفين أمير مكة رئيس لجنة الحج المركزية، وما تتصدره أعمالهم المخلصة من تفقد وزيارات ميدانية متلاحقة لكل الأجهزة والقطاعات التي تجند لخدمة الحج باستخدام أرقى ما توصل له العلم الحديث من برامج وأجهزة.. يجد أن هذا الحرص، وهذا الجهد بالمقياس العالمي أمر لا تقدر عليه - بفضل الله وعونه وتوفيقه - إلا المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا، وقد جبلت منذ القدم على ممارسته حبا في الله أولا، ورغبة في نيل الأجر والثواب، وتأكيدا على شكرها لهذه النعمة التي خصها الله بها، وخص الناس جميعا على هذه الأرض الطيبة المباركة، (فلا نامت أعين الجبناء) أولئك الذين يريدون الحج مناسبة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، والله تعالى يريدها مؤتمرا عاما لكل المسلمين يلتقون فيه على خير ويتفرقون بعده حاملين للخير وناشرين له.



وبفضل الله لم أر الأمة الإسلامية مجمعة على شيء كإجماعها على الشهادة لمملكتنا العزيزة بالقدرة، والتفوق في هذه الخدمة الجليلة، برعاية الحج والحجاج، والبذل بسخاء صار مضرب الأمثال في الكرم والإيثار، وهو إيثار لا يرفضه أهل الحرمين، بل يزيدونه بريقا وسموا على مدار الأيام، وعلى الرغم من حبهم القوي لأداء مناسك الحج في كل عام بحكم القرب والتعود، لكنهم التزموا بقوانين التنظيم رغبة في مشاركة الدولة في الاعتناء بالقادمين، وراح بعضهم ينشد.. وهو من الحرم قريب:



يا قادمين إلى الرحمن أفواجا

وقاصدين لبيت الله حجاجا

إني اتخذت من الأشواق بي نهرا

يجري إليكم بماء الحب ثجاجا

كل عام وأنتم بخير.. وفي سلام وأمان.