في عالَم الطفولة!

عندما كنت طفلا، تمنيت أن تمضي الأعوام حتى أكبر وألج إلى عالم الكبار.

عندما كنت طفلا، تمنيت أن تمضي الأعوام حتى أكبر وألج إلى عالم الكبار.

الثلاثاء - 23 ديسمبر 2014

Tue - 23 Dec 2014



عندما كنت طفلا، تمنيت أن تمضي الأعوام حتى أكبر وألج إلى عالم الكبار.



وكان لي ما أردت بطبيعة الحال. تصرّمت السنون سريعا، غادرت دنيا الطفولة، ودخلت إلى هذا العالم الكبير، المليء بالكثير من الوحشة وبعض البهجة. وبدون وعي مني، أخذت ألوم نفسي: ما الذي جعلني أتمنّى تلك الأمنية؟! وكأنني إذا لم أتمنها، فلن تحدث عاجلا أم آجلا.!

على كل حال، هذا ليس ندما على الإطلاق. فحياتي بفضل الله تعالى عامرة بالبهجة، مخضرّة بالمحبة، ويكفيني وجود أناس يملؤون قلبي بالسرور ليلا ونهارا، وهي نعمة كبرى أن يشعر الإنسان بإنسانيته، ويجد لحديثه صدى يتردّد في قلوب محبيه.

لكن ما أودّ قوله هنا، إن للطفولة طعما يختلف عن غيره من مراحل الحياة.

فمهما ذاق الإنسان في طفولته من الحرمان والآلام، إلا أن سنين الطفولة تبقى أبهى السنين. كيف لا؟! وأقصى همّ الطفل ألعابه وضحكاته.! وأكبر مشاكله أن ينكسر جزء من لعبته، أو أن يحين موعد نومه، وهو لم يقنع بما قضاه من وقت اللعب طوال اليوم مع رفاقه.!

من أصدق ما قرأت، هذه العبارة: إذا أردتَ الهدوء والسّعادة، فاجلس مع طفل صغير أو شيخ كبير، فالأول لا يعرف الدنيا، والثاني قد اكتفى منها.!

هل تتذكّرون طفولتكم؟! كم كانت مليئة بالمغامرة، معبأة بالضحك، طافحة بالسّرور.!

حتى الصداقات التي كوّناها لاحقا، لا تعادل في قوّتها صداقات الطفولة، خاصة ما بقي منها واستمر.

ولأنني ما زلت أحتفظ ببعض أصدقاء الطفولة، فسأخبركم عن نوعية أولئك الأصدقاء.

في الحقيقة، أنا لا أنظر إليهم وإلى نفسي كأشخاص ينقلون خطواتهم في سن الرجولة.

بل أراهم وأراني أطفالا صغارا، فحين نجتمع نستغرق وقتَنا في حديث الذكريات، ويسأل أحدنا الآخر: كيف فعلتَ ذلك الفعل الأحمق في الملعب؟ أو: لماذا قلتَ تلك الإجابة الغبيّة في الصف؟! ثم ننفجر في نوبات لا تنتهي من الضحك والتهكّم على بعضِنا، مترحّمين على تلك البراءة التي دفنَتْها الأعوام، ولم يبقَ لنا إلا ذكراها.!

لا أريد أن تفهم السطور السابقة، على أن بهجة الطفولة مضت بلا عودة. فبداخل كل واحد منا نحن الكبار يوجد طفل، والخيار لنا في أن نرعاه أو نهمله. ورعايته تكون بتمثّل روعة إحساس الطفولة في قلوبنا، وتخفيف الركض على أديم الأرض.

وزيادة على ذلك، لا بد أن يكون للأطفال نصيب معتبَر من أوقاتنا المهدَرة. الأطفال يربّوننا أكثر مما نربّيهم ونتعلّم منهم أكثر مما نعلّمهم. إنّها مَدْرسة الطفولة.! جالسوا أطفالَكم وأطفالَ أقاربكم، وشاركوهم حكاياتِهم وأحلامَهم. انسجوا معهم من خيوط الشمس أبهى الحلل، وخذوا وإيّاهم من قوس قزح أزهى الألوان، راسمين بها أروع اللوحات.! اضحكوا مع الأطفال من قلوبكم، استوعبوا أحلامَهم الصغيرة، طيروا معهم فوقَ السَّحَاب، وادخلوا معهم كهوف الحكايات ودهاليز القصص، اركبوا معهم سفن الأحلام، وأبحِروا إلى الجزر البعيدة في خيالاتهم.! عيشوا مع الطفولة وللطفولة وفي عالم الطفولة.! كلا، لم تذهب طفولتنا، فطالما الأطفال يعيشون على هذه الأرض، فنحن معهم في طفولة دائمة.!