سليمان الضحيان

يوسف زيدان وسراق الإبل

الأربعاء - 07 سبتمبر 2016

Wed - 07 Sep 2016

أوضحت في المقال السابق أن ثلاثة أخطاء وقع فيها د. يوسف زيدان في مدى دقيقة ونصف من حديثه في الندوة التي شارك فيها في مهرجان (ثويزا) بمدينة طنجة، وحديثي اليوم عن الخطأ الرابع، وهو زعمه ألا حضارة للعرب في وسط الجزيرة العربية (نجد والحجاز والأحساء) قبل الإسلام، وأنهم مجرد سراق إبل.



ولا شك أن هذا يسيء له ولسمعته العلمية؛ لأنه ينبئ عن فقر معرفي مخجل بتاريخ الجزيرة قبل الإسلام، وهذه النظرة مستمدة من أعمال المستشرقين المبكرة في القرن التاسع عشر كما في توصيف آرنست رينان (ت 1892م) لأهل الجزيرة قبل الإسلام، والمفارقة أن مستشرقا آخر رد عليه، وهو جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) الصادر عام 1884م، حيث يرى أن رينان لم يفرق بين البدو والحضر من العرب.



ونقاش المستشرقين هذا جرى قبل 130 سنة، يوم كانت الجزيرة مغلقة لا يصل إليها الدارسون بسهولة، أما اليوم فقد جرت فيها اكتشافات أثرية كثيرة، وطرحت دراسات متخصصة كثيرة جدا في تاريخها، فلا عذر لأي مثقف في الجهل بهذا كما هو واقع د. يوسف زيدان.



وإذا كان في الجزيرة آنذاك مظاهر غزو بين القبائل - وهي ليست بدعا من سائر الأمم آنذاك - فإن اختصار توصيف أهلها بهذا هو قصور معرفي مخجل يسيء لقائله، ونظرا لمساحة المقال أقصر حديثي على ثلاثة مواقع حضارية في وسط الجزيرة قبل الإسلام، مملكة كندة، وحاضرة اليمامة، وممالك ديدان، ولحيان، والأنباط.



فأما مملكة كندة فقد تأسست منذ القرن الرابع قبل الميلاد، واستمرت إلى الثلث الأول من القرن السابع بعد الميلاد، وأقصى اتساع لها شمل البحرين، ونجدا، والحجاز، وأطراف العراق، وقد حكمتها ثلاث سلالات من الملوك، وآخر تمثل لها إمارة أكيدر بن عبدالملك صاحب دومة الجندل التي أسقطها جيش المسلمين سنة 9 هـ، ومن آثار مملكة كندة الباقية عاصمتها الفاو التابعة لمنطقة الرياض اليوم، وهي تحوي معابد مزينة بصور، وطرقات، وحمامات، وأسواقا ومساكن، ومدافن، ووجدت فيها نقود عليها صورة لملك كندة حجر بن عمرو، وقديما ألف الكلبي كتابا باسم (ملوك كندة).



وأما اليمامة فهي حاضرة وسط الجزيرة، تقوم مكانها اليوم منطقة الرياض، وقد غزاها حسان بن تبع ملك تبع في اليمن، وكان ملكها وقت الرسالة النبوية هوذة بن علي (ت 8 هـ)، وكان مسيحيا، وفيها دير مسيحي يقوم عليه راهب من قبيلة طيئ، وكانت حاضرة اليمامة تصدر البر والحنطة للحجاز كما تشير قصة أسر المسلمين لملكها ثمامة بن أثال في قصة معروفة في السيرة، قال جواد علي عنها: “وكانت عامرة ذات قرى ومدن عند ظهور الإسلام، منها (منفوحة)، وبها قبر كان ينسب إلى الشاعر الأعشى. و(سدوس) من المدن القديمة، وبها الآن آثار كثيرة، وقد عثر فيها على تمثال يبلغ قطره ثلاثة أقدام، وارتفاعه 22 قدما. و(القرية) وعلى مقربة منها بئر، قال الهمداني عنها: فإن تيامنت شربت ماء عاديا، يسمى قرية، إلى جنبه آبار عادية (أي منسوبة لقوم عاد)، وكنيسة منحوتة في الصخر”، وقال جواد علي عن الخرج إحدى مدن اليمامة: “وهناك قنوات مائية ضخمة في الخرج تعود للقرنين الخامس والسادس قبل الميلاد”.



وأما ممالك ديدان ولحيان والأنباط فكانت في شمال الجزيرة في منطقة تبوك اليوم، وآثارها باقية إلى اليوم في الحجر، وفي مدائن شعيب حيث البيوت المنحوتة في الصخر، وخزانات المياه، وتماثيل الآلهة، وقنوات الري، ومن قراءة النقوش اكتشف اسمان لملكين من ملوك مملكة ديدان، وأسماء عشرة ملوك لمملكة اللحيانيين، وكانت فترة هذه الممالك من القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثاني بعد الميلاد، قال د سليمان الذبيب الباحث المتخصص بالنقوش الصفوية عن منطقة تبوك: “في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد كانت ممثلة بمملكة ديدان التي كانت على مستوى حضاري ثقافي مرموق ورفيع”.



وإذا كان زيدان يجهل مثل هذا فهو قطعا لا يجهل حواضر مكة والمدينة والطائف وأسواق العرب، وهي كلها مشهورة قبل الإسلام، فمن المجازفة التي تدل على تهور يفتقر إلى أبجديات الكلام العلمي أن يختصر كل هذا بأنهم (سراق إبل)، وبإمكان القارئ الذي ينشد الحقيقة الاستزادة من معرفة حضارة العرب قبل الإسلام بقراءة كتاب (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) في 20 مجلدا، نصفها عن وسط الجزيرة، وقراءة كتابات د. عبدالله العسكر عن حاضرة اليمامة، ود.



سليمان الذبيب، وله 22 دراسة عن نقوش وحضارة شمال الجزيرة، ود. عبدالعزيز الغزي، وله ثمانية بحوث عن الاستيطان في منطقة الرياض ودراسة نقوشها، ود. عبدالرحمن الأنصاري، وله ستة أبحاث عن دولة كندة وآثارها.



[email protected]