إلى أهلنا بالإمارات..
الأربعاء - 31 ديسمبر 2025
Wed - 31 Dec 2025
لقد كانت السعودية تنظر لشذوذ التغيرات الأخيرة، الجارية في حضرموت والمهرة، على يد المجلس الانتقالي، وكانت الدلائل مريبة، ولكن السعودية لم تتسرع للاتهام، بمنطق: أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني!
وبهدوء المملكة وحنكتها ومنطق الأشقاء، اضطرت للتدخل صيانة لعلاقات الجيرة، وإعادة ضبط قيمة ومعاني وأهداف القوات الشرعية في اليمن، ذلك الجرح النازف.
فصدر بالأمس البيان السعودي الرسمي عن قيادة القوات المشتركة، بأن ما جرى في ميناء المكلا يعد حدثا خطيرا مفتضحا، ولا يمكن التعامل معه بوصفه حدثا عابرا أو تفصيلا ثانويا في مشهد الأزمة اليمنية، ودون القفز إلى استنتاجات انفعالية تفتح باب العداء أو القطيعة بين دولتين تجمعهما روابط تاريخية وجغرافية وأخوية عميقة مثل السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
المملكة، في بيانها الحريص السياسي والأمني، قدمت رواية واضحة تستند إلى القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار (2216)، الذي ينظم عملية إدخال السلاح إلى الأراضي اليمنية ويخضعها لإشراف قيادة التحالف.
ومن هذا المنطلق، فإن إدخال سفن محملة بالسلاح دون تصاريح رسمية، وتعطيل أنظمة التتبع، يمثل تجاوزا لا يمكن تجاهله، لما يحمله من مخاطر أمنية مباشرة على اليمن أولا، وعلى أمن المملكة والمنطقة ثانيا، خاصة في محافظات ترتبط بحدود طويلة وحساسة مع السعودية.
المملكة قرأت الحدث بعين العقل، الذي يميز بين الخطأ السياسي وبين التحول الاستراتيجي المقصود. فالإمارات العربية المتحدة ليست دولة طارئة في معادلة أمن الخليج، ولا طرفا معاديا للمملكة، بل كانت، ولا تزال، شريكا أساسيا في منظومة الأمن الخليجي، ويدا طالما اعتمدت عليها المملكة في مراحل دقيقة من تاريخ المنطقة واستقرارها.
ومن هنا، كان العتب السعودي بسطور جلاء عاقل لا بالخصومة، بل عتب أخ على أخيه، وتنبيه دولة شقيقة إلى خطورة مسار شاذ، إذا استمر أو تكرر.
المملكة، في تعاملها مع الحدث، حرصت على ضبط رد الفعل، فجاءت العملية العسكرية محدودة ودقيقة، محكومة بقواعد الاشتباك، ومسنودة بطلب رسمي من القيادة الشرعية اليمنية، وبما يؤكد أن الهدف لم يكن التصعيد ولا كسر التوازنات، بل منع انزلاق المنطقة إلى مسار أكثر اضطرابا.
وفي الوقت ذاته، فالرياض تبقي باب الحوار والتعديل مفتوحا، مؤكدة أن خيارها الاستراتيجي هو إنهاء الأزمة اليمنية عبر الحلول السياسية لا عبر تضخيم الخلاف وتغذية الميليشيات بالسلاح.
والسؤال الجوهري اليوم ليس في توصيف ما حدث بقدر ما هو في تحديد مساره القادم، فهل كانت هذه الخطوة زلة سياسية عابرة ويمكن تصويبها؟
أم أنها بدايات نهج مقلق قد يضع العلاقات الخليجية أمام اختبارات قاسية؟
والإجابة، حال لسان الإمارات، فهي قادرة بحكم مكانتها وثقلها، على إعادة الأمور إلى نصابها، وترميم خوارق الثقة، وتصحيح الصورة أمام أشقائها في الخليج والعالم العربي.
الخليج لا يحتمل مغامرات غير محسوبة، ولا يحتمل تسليح أطراف قد تحول جغرافيته إلى ساحة فوضى وعشوائية دائمة.
والاستقرار الذي تحقق عبر عقود لا يصان بالأسلحة، بل بالمصالح المشتركة والتكاتف والوضوح، والالتزام، واحترام منطق الدولة قبل منطق النفوذ.
وهذا ما تراهن عليه المملكة، لا دفاعا عن أمنها فحسب، بل حرصا على مستقبل وسلام ورخاء المنطقة بأسرها.