علم السذاجة
الثلاثاء - 30 ديسمبر 2025
Tue - 30 Dec 2025
عطفا على ما نقله المثقفون عن نيتشه أنه قال: حتى نعرف السعادة علينا أن نتعرف على التعاسة أولا، وأستاذنا البليهي، مؤسس علم الجهل، يراهن على أن بداية العلم تبدأ بالتعرف على الجهل وأنماطه ومدارسه. أما صاحبنا هنا، فهو يريد أن يؤسس علم السذاجة، ليس لأنه يريد أن يهدي الناس إلى الذكاء أو «الذهانة»، فقد استقال من مهمة أن يعلم الناس أو يربيهم؛ فللبيت رب يحميه - كما قال عبد المطلب بن هاشم - لكن، وعلى طريقة الأكاديميين، يطيب لنا أن نعرف السذاجة بأنها «علم الثقة بالنفس التي سبقت العقل والأخلاق بعشر خطوات، مع الإصرار وعدم التراجع، ولا يتعلم من الحياة مطلقا.
أما مظاهر السذاجة، فهي أكثر من أن تقال في مقال، لكن إن لم يكن بد إلا مقال، فهذه بعض مظاهرها، والمسؤولية على صاحبي وهو يقول: حسن النية هو المبرر غير المبرر لصاحبنا الساذج عندما تصطاده وهو ينقل خبرا من غير مصدر، أو يعتمد على العابرين ذهنيا في مواقع المنافسة الرديئة في مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول صاحبي: ثمة علاقة طردية تصاعدية بين الإشاعة والسذاجة؛ فكل إشاعة لديهم، وكل ترويج رديء، هم أساتذته، والغريب جدا أنه لا يتعلم ولا حتى يؤنبه ضميره، لأن العتب كل العتب - في نظره - على ذلك الذي عبث بعقله ولعب عليه: «أساسا، لو لم تكن ساذجا، لم يلعب عليك أحد»، والساذج لم يلم نفسه وهو ينصت لأنصاف المتعلمين وباعة المحتوى وأبطال السوشيال ميديا الوهميين!
والساذج أخذ الذكاء من عقله إجازة، ومن التحقق من المعلومات أدوية مسكنة، ومن الأدوات النقدية العقلية استقالة نهائية، والسبب بلا شك هو أنه لم يتأمل ولم يتردد، وبعبارة أخرى: لم يردد الكلام في فمه قبل أن يلقيه على عواهنه!
وأخطر ما في أخينا الساذج هو الثقة وادعاء الذكاء و«الذهانة»، وأنه لا يراجع نفسه، وليس هذا فحسب، بل لا يتأمل ردود العقلاء، وهي إما ترد عليه وكأنها تقول «أنت في الطريق المنحدرة»، ولا في كل مرة من المفروض أن يخجل من نفسه لأن معلوماته خطأ، أو أن سرده ليس في محله، أو أن الناس في واد وهو في واد آخر، أو أن الزاوية التي يتحدث فيها لا علاقة لها بالموضوع.
أما نقاشنا مع الساذج، بحسب صاحبي وعلم السذاجة، فإنه عقاب إلهي لكل العقلاء، واختبار للصبر، وعلامة من علامات رداءة الحياة! أما ما يقترحه صاحبنا حلا لهذه المشكلة، فهو أن تختم النقاش قبل أن يفتح فمه بكلمة عظيمة فيها من الحكمة الشيء الكثير: «كلامك صحيح»، ثم دعه يهرف بما لا يعرف!
أردف مؤسس علم السذاجة: ستقابل يا بني سذاجا بعدد شعرات رأسك، وليس تأففك من ذلك إلا سذاجة منك، فإحدى مهاراتك المكتسبة يجب أن تتلطف مع الساذج وأن تقومه - إن أردت تقويمه بلطف وعطف - ما لم تقرر أن تنصب نفسك مصلحا اجتماعيا، أحد أهدافك في الحياة أن تصلح الكون وحدك، ومن ضمن الكون صديقنا الساذج!
قال صاحبي: والمتأمل أن معظم السذاجة تنصب في الكلام، ولو تعلم الساذج السكوت لكان أبو حنيفة لا يزال يثني قدمه خجلا منه، قلت ولكن هذا لا يعني أن ليس ثمة سذاجة في تصرفات وأفعال صاحبنا نفسه الذي انشغل بالسذج وترك الكلام المفيد!
بقيت كلمة أخيرة لي: سلام على الأصدقاء الذين تحملوني وتحملوا صاحبي، وستروا علينا ولم يفضحونا.