نمر فهيد السبيلة

مرضى السكري والشتاء... بين برودة الطقس وبرودة الدورة الدموية

الأربعاء - 24 ديسمبر 2025

Wed - 24 Dec 2025


مع بداية فصل الشتاء، لا يشعر الجميع بالبرد بالطريقة نفسها. البعض يبحث عن مزيد من الدفء في ملابس ثقيلة ومشروبات ساخنة، بينما يواجه مرضى السكري تحديا مختلفا تماما. بالنسبة لهم، لا تتوقف البرودة عند درجة حرارة الجو، بل تمتد إلى الأعصاب والأطراف والدورة الدموية. فالشتاء ليس مجرد موسم جميل... بل فصل يحتاج عناية إضافية ووعيا مضاعفا.

تشير الإحصاءات العالمية إلى أن أكثر من 537 مليون شخص حول العالم يعيشون مع مرض السكري، وفق الاتحاد الدولي للسكري (IDF). وفي المملكة العربية السعودية، يعد المرض من أكثر التحديات الصحية انتشارا، حيث تذكر تقارير المنظمة نفسها أن واحدا من كل 9 بالغين في المملكة مصاب بالسكري،

أي ما يقارب 18% من السكان البالغين. وفي دراسة نفذتها وزارة الصحة السعودية عام 2023، أبلغ 40% من مرضى السكري عن زيادة شعورهم بالبرد خلال فصل الشتاء، بينما أكد 30% منهم معاناتهم من ضعف في الدورة الدموية الطرفية، وهو ما يجعل الأطراف خصوصا القدمين أكثر عرضة للبرودة والتنميل والتشققات.

السبب وراء ذلك يرتبط بتأثير السكري على الأوعية الدموية الدقيقة والأعصاب الطرفية. فعندما تنخفض درجات الحرارة، ينقبض الجسم للحفاظ على حرارته الداخلية، وهذا يحد من تدفق الدم إلى الأطراف. لدى المرضى الأصحاء، قد تكون هذه مجرد برودة عابرة، أما لدى مريض السكري، فهي قد تعني خطرا حقيقيا فقد لا يشعر بالجروح الصغيرة التي قد تتفاقم لاحقا دون أن يلحظها.

تظهر دراسة نشرت في مجلة Diabetes Care أن التحكم في سكر الدم ينخفض بنسبة 15% خلال أشهر الشتاء بسبب قلة الحركة، وزيادة تناول النشويات والمشروبات الدافئة المحلاة، وتغير نمط النوم. وهذا لا يؤثر فقط على مستوى السكر، بل على استجابة الجسم للأدوية أيضا.

لذلك، توصي جمعية السكري الأمريكية (ADA) باتباع ثلاث خطوات أساسية خلال الشتاء:
1 - حافظ على دفء قدميك قبل أي شيء.
ارتد جوارب قطنية، وتجنب الأحذية الضيقة أو الرطبة. قد لا يشعر مريض السكري بأي جرح، لكنه قد يتطور إلى التهاب خطير دون أن يلاحظه.

2 - استمر في متابعة مستوى السكر بانتظام.
تغير حرارة الطقس قد يؤثر على دقة أجهزة القياس وعلى امتصاص الإنسولين. قياس السكر يوميا خلال الشتاء ليس رفاهية... بل ضرورة.

3 - لا تعدل جرعات الدواء من تلقاء نفسك.
بعض المرضى يقللون الأدوية بحجة قلة النشاط في الشتاء، وآخرون يزيدونها عند ارتفاع السكر. كلاهما خطأ. الطبيب وحده من يقرر الجرعة بعد تقييم الحالة.

وفي مملكتنا الحبيبة، تتعامل الجهات الصحية مع هذا الملف بوعي ومسؤولية.

فقد أطلقت وزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء (SFDA) حملات مثل «راقب سكرك في البرد» و»دفء وسلامة» التي ركزت على مخاطر الشتاء لمرضى السكري. وبحسب تقرير رسمي نشر عام 2024، ارتفعت نسبة المرضى الملتزمين بمتابعة أدويتهم من 50% إلى 68% بعد هذه الحملات، مما يعكس نجاحا ملموسا في رفع الوعي الصحي الفردي والمجتمعي.

ويقول أحد استشاريي الغدد الصماء في المملكة في حديث تلفزيوني:
«مريض السكري في الشتاء يحتاج إلى التعامل مع جسده كما يتعامل مع الطقس... لا يمكن تجاهله، ولا يمكن تركه يتدهور. الوقاية تبدأ من القدمين وتنتهي عند الوعي».

الشتاء ليس عدوا لمرضى السكري، لكنه اختبار حقيقي لمدى التزامهم.
من يراقب، ويتابع، ويفهم، يعيش موسمه بسلام.

ومن يهمل التفاصيل الصغيرة، قد يدفع ثمنا كبيرا لا يحتاج أن يدفعه أصلا.
وفي النهاية، يبقى الدفء الحقيقي ليس في الأغطية الثقيلة ولا المشروبات الساخنة، بل في وعيك بطريقة التعامل مع جسدك.

فالشتاء يرحل، لكن آثاره قد تبقى في جسد من أهمل نفسه.
فوعيك هو الدفء الذي لا يبرد، وصحتك مسؤولية لا تؤجل.

NimerAlsabeelah@