محمد عبدالله البقمي

الاستثمار في الأخلاق

الاثنين - 15 ديسمبر 2025

Mon - 15 Dec 2025

الناس معادن، جاء ذلك في الحديث النبوي الشريف، قال عليه الصلاة والسلام "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا..".

إن التفاوت في أخلاق الناس وتعاملاتهم كالتفاوت بين المعادن النفيسة والرخيصة، وذلك واقع تمليه طبيعة المعدن في ذاته أو مقارنة بغيره، فالذهب وإن كان من أثمن المعادن، لكنه يأتي على مستويات من حيث درجة النقاء، فمنه الخالص الذي يفوق بالشكل والسعر الذهب المشوب، وكذلك الفضة وهي في المنزلة دون الذهب إلا أنها من المعادن النفيسة أيضا، وهي متفاوتة في ذاتها ومع غيرها.

نعم، نحن والناس من حولنا معادن، وكما أن للصاغة طرقهم القديمة والحديثة لمعرفة نوع المعدن، وما إذا كان خالصا أم مشوبا؟ فللحكماء والمتأملين في طباع الناس وأخلاقهم طرقهم النافعة عند فحص الأخلاق ومعرفة الناس، والصالح من الطالح والوفي من الجاحد والغادر.

يستخدم الصاغة عند فحص الذهب والفضة طرقا ووسائل عديدة من أقدمها وأكثرها صدقا، استخدام "المغناطيس" فالمعدنان النفيسان لا ينجذبان إليه عكس المعادن الرديئة أو غير النفيسة كالحديد، ومن وسائلهم للاختبار تعريض المعادن للنار، حيث إن الذهب والفضة لا يتغير لونهما أو يتلفان عند صهرهما بالنار! وكذلك يفعل الحكماء وأصحاب التجارب من الناس، إذ يميزون الصديق الحقيقي من المزيف بالنظر في طبيعة ما يجذب كل واحد منهم، فالكرام وأهل المروءات لا ينجذبون إلا للمكارم والرفيع من الأخلاق، فيما للمزيف شأن آخر مع الناس وأحوال الدنيا ومظاهرها، فهو سريع التقلب والتحول بحسب مصالحه، كالبائع الذي يعرض سلعته ولا يهتم لمن يشتريها بقدر اهتمامه بمن يدفع السعر الأعلى!

ويستند الكيس الفطن من الناس في اختيار أصدقائه إذا مرت به التجارب القاسية، حين تحيط به الشدائد والمعضلات فيرى من يقدم ومن يحجم، من يفزع منهم عونا وسندا لا يبتغي غير الوفاء، كالذهب المدخر لهذه اللحظة في عمر الزمن، يمد يد العون ولو بكلمة طيبة أو شهادة حانت ساعتها وغاب شهودها.

جميل أن نستثمر في الأخلاق، كما يستثمر التجار في النفيس من المعادن، وأن ننزل الناس منازلهم في قلوبنا ومجالسنا بقدر مكانتهم في ميادين الخير والعطاء والوفاء، وننبذ كل متسلق مدع كلامه ياقوت وفعله ممقوت! ونتذكر "دائما" أننا بالله ثم بمن معنا بقلوبهم وبمواقفهم، وأن الصداقة لا تشترى، فمن تشتري قربه ومواقفه "اليوم" بمالك، سيبيع نفسه "غدا" لمن هو أوفر منك مالا!