الميثاق العائلي كمدخل لإعادة هيكلة الشركات العائلية
الأحد - 14 ديسمبر 2025
Sun - 14 Dec 2025
تعد الشركات العائلية من أكثر الكيانات حضورا في الاقتصاد الوطني، غير أن هذا الحضور لا يخلو من تحديات قانونية تتجدد مع انتقال الملكية بين الأجيال وتوسع النشاط وتعقد المصالح. وقد جاء نظام الشركات الجديد ليضع إطارا أكثر وضوحا لمعالجة هذه التحديات، مؤكدا على أن استدامة الشركة لا تتحقق إلا بفصل الاعتبارات العائلية عن البنية النظامية للكيان التجاري. وفي هذا السياق، يبرز الميثاق العائلي بوصفه مدخلا تنظيميا مهما لإعادة هيكلة الشركات العائلية، سواء كان مضمنا للائحة التأسيسية أو مستقلا لا باعتباره بديلا عن الهيكلة، بل مرحلة تأسيسية تسبقها وتمهد لها.
ينطلق هذا التصور من المبدأ النظامي المقرر في المادة الثانية من نظام الشركات، التي تقضي بأن الشركة تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة عن الشركاء. غير أن هذا الاستقلال يبقى نظريا في كثير من الشركات العائلية، حيث تختلط الملكية بالإدارة، وتتداخل الصلاحيات العائلية مع القرارات التنفيذية، بما يفرغ الشخصية المعنوية من مضمونها العملي. وهنا تظهر الحاجة إلى أداة تعيد ترتيب العلاقة داخل العائلة قبل إعادة ترتيب الكيان، وهو ما يؤديه الميثاق العائلي.
كما تؤكد نصوص النظام، ولا سيما المواد المتعلقة بإدارة الشركات ومسؤولية المديرين وأعضاء مجلس الإدارة، على تحديد الصلاحيات وتحميل المسؤولية عند إساءة استعمال السلطة أو تجاوز حدود التفويض. غير أن هذه النصوص تصطدم في الواقع العائلي بتعدد مراكز القرار، وغياب مرجعية واضحة تفصل بين صفة الشريك وصفة المدير. ويترتب على ذلك تحميل الشركة تبعات قرارات لا تخضع لمنطق الإدارة النظامية، بل لموازين عائلية متغيرة. ومن هنا، فإن الميثاق العائلي يكتسب أهميته بوصفه وثيقة اتفاقية تنظم: من يملك، ومن يدير، وكيف يتخذ القرار، ومن يخرج من الشركة وبأي آلية.
ولا يتعارض الميثاق العائلي مع نظام الشركات، بل يجد سنده في النصوص التي تجيز للشركاء تنظيم علاقاتهم باتفاقيات خاصة، ما دامت لا تخالف أحكام النظام أو النظام العام. غير أن الخطأ الشائع هو اعتبار الميثاق العائلي غاية بحد ذاته، بينما الصواب أنه وسيلة تمهيدية تترجم لاحقا إلى اتفاقيات شركاء ملزمة، ولوائح حوكمة، وهياكل إدارية واضحة.
وتزداد أهمية هذا المدخل عند الانتقال إلى إعادة الهيكلة القانونية، سواء عبر فصل الملكية عن الإدارة، أو تحويل الشكل القانوني للشركة، أو دمج الكيانات العائلية المتعددة في كيان واحد. فغياب ميثاق عائلي منضبط يجعل هذه الإجراءات عرضة للاعتراض، ويحولها إلى قرارات هشة قابلة للنقض عند أول خلاف. كما يبرز التحدي في تقييم الأصول، حيث تختلط الأصول العائلية الخاصة بأصول الشركة، بما ينشئ فجوات قانونية قد تبطل إجراءات التحويل أو الدمج.
من وجهة نظري، إن الحل العملي يتمثل في مسار واضح من أربع مراحل:
أولا: إعداد ميثاق عائلي مكتوب يحدد الإطار العام للعلاقة العائلية.
ثانيا: تحويل هذا الميثاق إلى اتفاقيات شركاء ولوائح داخلية قابلة للتنفيذ النظامي.
ثالثا: تنفيذ إعادة الهيكلة القانونية وفق نظام الشركات، بما يشمل إعادة توزيع الصلاحيات وتوثيق الأصول.
رابعا: اعتماد حوكمة مؤسسية تضمن الاستدامة وتحد من النزاعات المستقبلية.
باختصار: إن الميثاق العائلي ليس حلا مستقلا، بل هو البوابة النظامية الآمنة التي تعبر منها الشركات العائلية إلى إعادة هيكلة متوازنة، تخرجها من دائرة العاطفة العائلية إلى فضاء المنشأة المستقرة، القادرة على المنافسة والاستمرار عبر الأجيال.