شاهر النهاري

لماذا يكره العالم جنس اليهود؟

الأحد - 14 ديسمبر 2025

Sun - 14 Dec 2025

في حادثة إطلاق النار التي وقعت على شاطئ بوندي في أستراليا، حيث كانت مجموعة يهودية تحتفل على الشاطئ، لا تكمن أهمية الحدث في تفاصيله الأمنية أو الجنائية بقدر ما تكمن في كونه عرضًا جديدًا لمرضٍ عالميٍّ آخذٍ في التمدد، بكراهية لليهود متراكمة، وغضب عابر للحدود، وانفجارات عنف تُرتكب في أماكن لا علاقة مباشرة لها بمسرح الصراع الأصلي.

وهنا يصبح السؤال أعمق، فلماذا يتكرر هذا النمط؟ ويتحوّل الصراع السياسي في الشرق الأوسط إلى نزيف أخلاقي عالمي؟

بداية لا يمكن تبرير إطلاق النار ولا الدهس، ولا التفجير، ولا أي فعل يستهدف أبرياء بسبب هويتهم الدينية أو العرقية.

ولكن هذا يدفعنا لمحاولة فهم الأسباب العميقة، التي تدفع شبابًا في مقتبل العمر لتحويل حقدهم إلى أفعال عدميّة تدميرية.

إسرائيل، منذ نشأتها بمفهوم الجنس الأنقى والأفضل، أوجدت بيئة صراع حادة.

وتاريخيا كان صراعها إقليميًا محصورًا بين دولة ناشئة وشعوب مجاورة، ولكنه تحوّل في العقد الأخير إلى مسألة أخلاقية عالمية، خصوصًا مع استمرار الاحتلال وتوسّع الاستيطان، وتكرار الحروب على غزة، وسياسات الحصار، وهدم المنازل، والإبادة العرقية، وإنكار الوجود السياسي والإنساني للشعب الفلسطيني.

سياسات بلغت في عهد بنيامين نتنياهو مستوى من القسوة والإبادة الأيديولوجية، في نظر قطاعات واسعة من العالم، ضد دولة تتصرف خارج روح القانون الدولي، وهي محمية بقوة عظمى.

ما يحدث اليوم ليس كراهية لليهود بوصفهم يهودًا، بل كراهية لرمزٍ سياسي تحوّل، بفعل الممارسة، إلى عبء أخلاقي على اليهود أنفسهم.

وغضب عالمي، لم يعد يجد العقلانية تحدث، فيتم الخلط بين الحكومي والمدني، بين الجندي والطفل!

حين تُدار الحرب بلغة الإبادة، وحين يُبرَّر القتل الجماعي باسم الأمن، وحين تُمنح الحصانة السياسية عبر الفيتو المتكرر والدعم غير المشروط من قوى عظمى، تتراكم مشاعر الظلم لدى شعوب كثيرة، ليس في فلسطين ومحيطها فقط، بل وفي الضمير العالمي.

غزة، بما شهدته من دمار واسع وخسائر بشرية هائلة وفق تقديرات دولية ومنظمات إنسانية، أصبحت رمزًا مكثفًا لعجز النظام الدولي عن فرض العدالة والسلام.

عجز يُغلق الأفق السياسي، ويسحق الأمل، ويجعل القاتل محميًا، فيبدأ بعض الأفراد في البحث عن “عدالة بديلة”، ولو كانت وهمية أو إجرامية.

هكذا تُفسَّر ولا تبرر عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار والتفجيرات في مدن بعيدة آلاف الكيلومترات عن فلسطين نصرة للضعفاء.

المفارقة المؤلمة أن هذا المسار يضر باليهود أنفسهم، داخل إسرائيل وخارجها. فنتنياهو، وهو يزعم أنه يحمي “أمن إسرائيل”، يزرع على المدى الطويل بذور خوف دائم، ويورّث أجيالًا كاملة إرثًا من الكراهية العابرة للزمن.

وحتى داخل إسرائيل، تتصاعد الاحتجاجات، ويخرج آلاف الإسرائيليين يوميًا رفضًا لسياساته، لا حبًا بالفلسطينيين، بل خوفًا على مستقبلهم الأخلاقي والسياسي، وإدراكًا بأن الدولة التي تفقد إنسانيتها تفقد شرعيتها ولو بعد حين.

حكومة إسرائيل تحتاج شجاعة الاعتراف بأن سياسات القوة العارية لا تصنع أمنًا، وأن الظلم، مهما طال أمد حمايته، ينفجر دائمًا في أماكن غير متوقعة.

وحادثة شاطئ بوندي مرآة لعالم متحضر فشل في إيقاف الظلم من منبعه، فصار يتعامل مع شظاياه المتناثرة في الأعين.