عائشة العتيبي

محاكمة النفس: طريق التغيير الحقيقي

الأربعاء - 10 ديسمبر 2025

Wed - 10 Dec 2025


القضايا تتحدث عن الجانب السياسي أو الجنائي أو المجتمعي، تتغير المجريات وتبقى روح القضية، ذلك الطابع الذي يقوم بمهمة التحقيق والبحث عن الحقيقة، ووضع الحقائق في جانب المساواة لتحقيق العدالة.

هذه من جانب عام، أما الجانب الخاص فله أثر خطير على مرتكبيه، فقد ينهار الإنسان أو تضيع حياته بسبب خطأ ارتكبه في لحظة غضب، ومحاولة لإظهار الشجاعة في وقت لا يدعو إلى ذلك. هذا هو المعنى المتعارف بين أوساط المجتمع.

لكن هناك قضية أخرى، تدور بين أنفسنا وما بداخلنا. ربما هي معضلة وقعنا بها، أو سقوط بعد قوة. تتعدد الأحداث والمواقف، ويبقى أثر ما يقلقنا بداخلنا بالقوة نفسها، يتمكن منا، يظهر الآن أو لاحقا، لكنه لا يزول.

تختلف الظروف والأسباب، لكننا نجد أثر الألم ونتيجته أمامنا. كثير من المشاكل تحتاج إلى حكم قضائي واع يحلها، ويحدث العدالة بين ما نشعر به وبين صدق ما بداخلنا من شعور وعمق ومكانة، فهنا تقع الواقعة التي تسقطنا حتى نتراجع، ونبتعد عن اتخاذ قرار يغير ما يمكن تغييره. نحتاج أن ننفض عنا غبار الخيبة والألم الذي يجعلنا نتردد في حل المشكلة التي نواجهها في داخلنا، وبين ما فينا من صراع خفي.

ربما يصعب الفهم في بداية الطريق، لكن كل مشكلة نصطدم بها تعيدنا للخلف، ثم نكمل الطريق دون حل، ونعود من جديد لنصطدم بأخرى.

أليس من حقنا أن نرفع قضية داخلية؟ أن نجد محاكمة تظهر العدالة والتوازن في داخلنا حتى نصبح أقوى ولا نسقط في أتفه المسائل وأضعف العوائق؟
أليس من حقنا أن نضع أنفسنا أمام قضية رابحة، يكون فيها المدعي راضيا بلوم المدعى عليه دون خوف من نزاع أو اتهام؟

نعم، من حقنا ذلك. من حقنا أن نصارع ضعفنا بقوة، أن نبحث عن عدالة تتوافق مع العقل والقلب والشعور والنفس. نحن بحاجة لموازنة مهمة، وبذل ملموس يعيد ما يمكن إعادته بصورة أفضل وبطريقة أوضح.

نحتاج إلى الوقوف مع أنفسنا، والتفكير بشكل منطقي لحل كل مشكلة تعطل الجانب الإيجابي فينا، وتدعنا نرى فقط الجزء السلبي في حياتنا اليومية.
فنعود للخلف بدل أن نتقدم خطوة للأمام.

ألسنا بحاجة إلى محاكمة نفسية تستحق الالتزام والتطوير وبذل المستحيل؟ حتى لا نسمح لأنفسنا أن نعيش دون وعي فكري واضح، أو شعور داخلي قوي يتوازن مع أحداث الحياة وقوتنا النفسية.

إن قوتنا النفسية لا تقاس بقدرتنا على إخفاء الألم، بل بقدرتنا على مواجهته دون أن نتخلى عن أنفسنا. إنها القوة التي تمنحنا الصبر عندما يضعف الجميع، وتعلمنا الهدوء حين تضطرب المواقف. إنها تلك المساحة التي نحتمي بها من ضجيج الخارج، ونستعيد فيها توازننا كلما اختل ميزان الحياة.

القوة النفسية لا تعني أن نكون بلا مشاعر، بل أن نحمل مشاعرنا بوعي. أن نعرف متى نصمت، ومتى نتكلم، ومتى نغادر حتى نحافظ على صفاء قلوبنا. إنها نضج داخلي يجعلنا نرى المعنى وراء كل تجربة، ونكتشف أن الألم لم يأت ليكسرنا، بل ليصنعنا من جديد بشكل أقوى.

العدالة الحقيقية لا تأتي من الخارج فقط، بل تبدأ من الداخل. كل محاكمة نفسية نخوضها، كل مواجهة صادقة لمشاعرنا وأفكارنا، هي خطوة نحو الحرية الداخلية والقوة الحقيقية. فهل لديك الشجاعة لتقف أمام نفسك اليوم، لتوازن بين قلبك وعقلك، لتعيد ترتيب أولوياتك وتعيد بناء قوتك النفسية؟ لا تنتظر الظروف لتفرض عليك الوعي، بل كن القاضي والمحامي والحكم في قضيتك الداخلية، واجعل حياتك انعكاسا للعدالة التي تستحقها نفسك.

وأخيرا هل الجانب الإيجابي بداخلك انعكس على من حولك؟

3ny_dh@