وسام بن حمد مدخلي

ميزانية 2026: انضباط مالي برؤية طموحة نحو الاستدامة

الأربعاء - 10 ديسمبر 2025

Wed - 10 Dec 2025


في كل عام، تعلن المملكة عن ميزانيتها بروح جديدة تعكس التوجهات الاستراتيجية للدولة، ولكن ميزانية 2026 تحمل نكهة مختلفة؛ فهي أكثر نضجا، وأوضح توجها، وأقوى في رسائلها المالية. هي ليست مجرد أرقام تسجل على الورق، بل خريطة طريق تنبض بالتوازن بين النمو الاقتصادي والانضباط المالي.

جوهر الميزانية: انضباط
لا يعني تقييدا
ما يلفت الانتباه في ميزانية 2026 هو الاستمرار في نهج الانضباط المالي دون كبح النمو.

وفقا للبيان، بلغ إجمالي النفقات العامة لعام 2025، 1.336 مليار ريال، في حين قدرت الإيرادات بـ1.091 مليار ريال، مما يعني أن العجز المتوقع يبلغ 245 مليار ريال، أي نحو 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

لكن هذه الأرقام ليست دليل تراجع، بل هي تأكيد على أولوية الاستدامة المالية، فالدولة تمول مشاريعها الكبرى وتستمر في تمكين القطاعات الحيوية، مع الحفاظ على ديناميكية الموازنة والالتزام بعدم الإفراط في الإنفاق غير المنضبط.
من زاوية استشارية: ليست المسألة حجم الإنفاق، بل جودته
بصفتي مستشارا ماليا، ما أبحث عنه في الميزانية ليس فقط الأرقام، بل كيفية توجيهها.

ميزانية 2026 خصصت 172 مليار ريال للنفقات الرأسمالية (الاستثمار في الأصول غير المالية)، مما يعني استمرار ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية، والتعليم، والتقنية، والقطاعات التحولية التي تبنى عليها رؤية 2030.
الأهم من ذلك، هو أن العجز لا يتم تمويله من الاحتياطي فقط، بل من خلال أدوات تمويل متنوعة، في خطوة ذكية تضمن تنويع مصادر التمويل وتقلل من تقلبات الأسواق.

المواطن والقطاع الخاص
في قلب المعادلة
ما يميز هذه الميزانية أنها ليست موجهة فقط لتمويل المشاريع الحكومية، بل تضع القطاع الخاص والمواطن في مركز الاهتمام الكبير من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود حفظهما الله تعالى.

التركيز على خفض الاستقطاع العقاري، وتوسيع برامج الإسكان، وتحفيز الادخار، كلها مؤشرات على أن الدور التنموي ينتقل من الدولة إلى المجتمع، من الإنفاق إلى التمكين.

القطاع الخاص يدفع ليكون الشريك الرئيسي، عبر مبادرات تمويل، وحوافز، وشراكات جديدة في مجالات التقنية، والصناعة، والخدمات، مما يخلق بيئة اقتصادية أكثر حيوية.

بين عالم متقلب
ورؤية محلية ثابتة
لا يخفى على أحد أن عام 2026 يواجه تحديات دولية كبرى:
- اضطرابات في أسواق الطاقة
- ارتفاع تكاليف التمويل العالمية
- تباطؤ اقتصادي في بعض الدول الكبرى

لكن في ظل هذا المناخ، تظهر الميزانية السعودية برسالة واضحة:
«نحن مستمرون في البناء، ولدينا رؤية، وخطة، واحتياطي معرفي وتمويلي متين».

ميزانية 2026 حلقة جديدة في تنفيذ رؤية 2030، تترجم الطموح إلى أرقام، والرؤية إلى أفعال، والاستقرار إلى استراتيجية.

ختاما، ميزانية 2026 ليست مجرد وثيقة محاسبية، بل خطة اقتصادية متكاملة تقيس قدرة الدولة على الموازنة بين التطلعات المالية والحاجات الاجتماعية.

هي نموذج يحتذى به في الانضباط المرن، والتمويل الذكي، والتمكين المجتمعي.

وأقول هنا لكل مواطن، ولكل رائد أعمال:
«اقرأ الميزانية كدليل حياة، لا كمجرد خبر اقتصادي؛ فهي تحمل إشارات تساعدك في رسم خطتك، من دخلك الشخصي إلى استثماراتك المستقبلية».

WesamMadkhali@