فوضى بوابات المدارس... خطر يومي ينتظر ضحية
الاثنين - 08 ديسمبر 2025
Mon - 08 Dec 2025
لا شيء يختصر حجم الفوضى التي نعيشها في محيط المدارس في ساعات الدوام أكثر من مشهد واحد قد يراه الكثير.. لكنه لم يختبره كما اختبرته صباح ذلك اليوم. كنت أقف في طابور السيارات كما أفعل كل يوم، ملتزما بالصف النظامي الذي يمتد حتى بوابة مدرسة ابني؛ طلاب ينزلون، وحركة عشوائية يمكن أن تسير بسلاسة لو التزم الجميع بالدور، لكن الفوضى لا تحتاج أكثر من سائق واحد يقرر أن «الوقت لا ينتظر»، فيصنع فوضى تضاعفها عشرات القرارات الفردية المشابهة.
وقفت لإنزال ابني، ففوجئت بسيارة كبيرة تقف بمحاذاتي ومتقدمة علي قليلا، تقطع علي الخروج من الصف، ليتقدم صاحبها لينزل ابنه الجالس في المقاعد الخلفية، غير مكترث بأنه «أناني» قيد حركة غيره من السيارات؛ وبعدها بلحظة، جاء سائق آخر من خلفه بسيارة صغيرة ليدخل بسيارته من الزاوية الخلفية هكذا ودون مبالغة، أصبحت محاصرا من كل الاتجاهات.. في منطقة حساسة تمتلئ بالأطفال.
وما أن نزل الطفل من المقعد الخلفي للسيارة الصغيرة حتى ظهرت حافلة المدرسة أمام السيارة الكبيرة، فقرر السائق الرجوع للخلف للخروج من المأزق الذي صنعه بسلوك قيادته.. بدأ بالرجوع غير منتبه أن خلفه سيارة ينزل منها طفل.. أطلقت أبواق التحذير، صرخت، أشرت بيدي، لكنه استمر حتى اصطدمت سيارته بباب المركبة الأخرى!! لحسن الحظ، كان الاصطدام كافيا لإيقافه قبل أن يدهس الطفل. لحظة واحدة صنعت فرقا بين النجاة والفاجعة.
هذا المشهد ليس استثناء، بل يتكرر يوميا أمام عشرات المدارس. فوضى مطبقة تتكرر مع بدء كل يوم دراسي، لكنها تعامل وكأنها «قدر» أو «عادة» يومية لا يمكن تغييرها، والحقيقة أننا نملك القدرة والتنظيم والإمكانات لتغييرها، لكننا نحتاج إلى رؤية واضحة وإلزام.
السؤال المهم هنا؛ لماذا لا تملك المدارس خططا مرورية إلزامية؟ ولماذا لا يشترط وجود مخطط سلامة مرورية قبل إصدار الترخيص لأي مدرسة، كما يشترط وجود مخارج طوارئ وتقارير سلامة وكاميرات مراقبة؟ ولماذا لا يوجد حرم لكل مدرسة يحترم ولا يتجاوز فيه؟
في دول عدة، الأمر محسوم، فمثلا في الولايات المتحدة توجد قوانين تمنع منعا باتا التجاوز أو الرجوع بالقرب من حافلات المدارس، وتفرض غرامات قد تصل إلى 1000 دولار، بالإضافة إلى سحب رخص القيادة في بعض الولايات، الهدف ليس العقوبة، بل حماية الطفل الذي قد يظهر فجأة خلف مركبة طويلة أو حافلة لا يراها السائق بالكامل. أما في فنلندا، فلا يسمح للمدرسة ببدء العمل إلا بعد اعتماد خريطة حركة مرورية؛ حول المدرسة، تشمل نقاط الإنزال، ومسار عبور الطلاب، واتجاه حركة السيارات، ومسافة أمان إلزامية.
وهنا تظهر فكرة يجب أن تعتمد بشكل رسمي لدينا وهي «منطقة الحرم المدرسي».
منطقة لها حدود واضحة، ومساحة أمان تحيط بالمدرسة من كل الجهات، تمنع فيها المناورات، والوقوف كصف ثان، والدخول غير المصرح. تماما كما تحاط بعض المنشآت الحيوية بنطاق حماية، فإن المدارس - بما تحويه من أطفال صغار - أولى بمثل هذه الحماية، وجود «حرم مدرسي» معرف بنظام، ومحدد بعلامات أرضية ولوحات، سيجعل السائق يفهم فور دخوله أنه في نطاق خاص، لا مجال فيه للارتجال أو الاستعجال أو الفوضى.
هناك حاجة ماسة لتطبيق نموذج سعودي رائد إذا تبنت الجهات المعنية - المرور ووزارة التعليم والبلديات - معا نموذجا موحدا، تلزم به كل مدرسة، أهلية كانت أو حكومية، وكل سائق وولي أمر. وتكون نموذجا يبدأ بإعلان منطقة الحرم المدرسي بحدود واضحة لا يقل عرضها عن مسافة معينة تعرف كمنطقة أمان دائمة.
أيضا مسار دخول وخروج واضح لا يسمح بالصف الثاني إطلاقا، ومناطق إنزال محددة ومراقبة بالكاميرات، مسار مستقل للحافلات لا يتقاطع مع سيارات أولياء الأمور، ومشرفو سلامة في الأوقات الحرجة، وغرامات فورية للمخالفين داخل «حرم المدرسة»، تصميم هندسي يحد من التكدس، ويمنع المناورات العشوائية.
الأهم أن يربط الالتزام بهذه الخطة باستمرار ترخيص المدرسة، تماما كما يحدث مع متطلبات السلامة في المباني أو شروط الدفاع المدني. فحياة الأطفال ليست أقل قيمة من أي بند رقابي آخر.
ما حدث ذلك الصباح انتهى بسلام.. لكنه ليس ضمانا لسلامة الغد. وغدا قد لا يكون هناك من يطلق بوق التنبيه، أو سيارة تصدر صوتا عند الاصطدام، أو طفل ينجو بالصدفة.
وقبل أن نفقد طفلا في مشهد يمكن منعه بسهولة، علينا أن نقرر أن منطقة المدرسة هي منطقة «حياة» قبل أن تكون منطقة مرور.
الفوضى ليست قدرا... لكنها تصبح كذلك حين نتجاهلها.
ALSHEDDI@