عبدالحليم البراك

90 % منضبطون... والباقي يكتب سمعة مدينة كاملة!

الاثنين - 08 ديسمبر 2025

Mon - 08 Dec 2025


ثلاث قصص غير مثيرة إطلاقا تكتشف من خلالها أشياء لا نعرفها عن مدينة هادئة: في أول زيارة لك لمدينة جديدة تقف أمام الإشارة الضوئية الأولى مع أكثر من عشرين سيارة في صباح مزدحم، فتتجاوز إحدى السيارات الإشارة وهي حمراء وكأنها في سباق «الفورملا ون» أو حتى «تو»، فلا تملك إلا أن تقول: مراهق، أو لم يتعب فيها! ثم تقف عند الأخرى مع عشرين سيارة أخرى تقريبا، فتقوم سيارة أخرى بالحركة نفسها وتقطع الإشارة بكل لامبالاة ثم تقول لا، هذا كثير يا أصدقاء، ويحدث هذا الشيء مع الإشارة التالية مع سيارة أخرى، فتأخذ انطباعا بأن أهل هذه المدينة يعتقدون أن الإشارة مجرد اقتراح لطيف من المرور وليست نظام بلد؛ فهم لا يحترمون الإشارة الضوئية. ومثله تماما يلتزم عشرات الناس بالسرعة المحددة، وسيارتان أو ثلاث تسير بسرعة جنونية مفزعة، وتأخذ الانطباع نفسه عن تلك المدينة.

وفي قصة أخرى؛ تدخل مسجدا أو مستشفى أو مطارا، وتجد أن دورات المياه ليست نظيفة بما فيه الكفاية وكأن خلافا فكريا - كما في الاتجاه المعاكس - انتهى بلغة حقيرة حدثت بين المكان وأحد الزائرين، بينما المسجد تم الاعتناء به، والمستشفى ملتزم، والمطار رائع، لكن الانطباع السيئ موجود برغم أن البقية الباقية من المنشآت نظيفة، فتغضب من أهل هذه المدينة أو من هذا المطار.

هذا ما يحدث كل يوم ويعطينا ملاحظتين اثنتين، أما إحداهما فإن قضية الانطباع التعميمي تسيطر على عقول الناس، (فيصبح الواحد منا اسمه: الرجل الذي يعمم كثيرا)، ففي المثال الأول 90% من الناس يبدون ملتزمين بالنظام، وإنما أفسد على الناس هذا الانطباع فئة قليلة غلبت فئة كثيرة تجاوزت النظام، وقمنا نحن بتعميم الانطباع على المدينة ككل.

بقي أن نشير إلى الملاحظة الثانية، وهي أننا غالبا ما نعالج الأعراض ونجعلها سببا بينما نغفل عن الأسباب، ففي الأولى يجب أن نتساءل: أين النظام المروري والقائمون عليه؟ (لا تصرخ عليهم بعد أن اعتمد رجال المرور على الكاميرات والتقنية وصاروا - رغما عنهم - أسرى المكاتب فلديهم ما يفعلونه هناك) ولولا طيبتهم الزائدة لما ظهرت هذه الظاهرة، فالناس عيال على النظام، ويبقى الحس الجماهيري يدفع للتجاوز ما لم يوجد نظام يقوم للناس حياتهم في المثال الأول. وفي المثال الثاني تختفي التشريعات، ويبقى العبء على نظافة الناس ووعيهم، والذي - للأسف - لا ينجح دائما، وبناء عليه لم نسمع عن غرامات لمن يسيء استخدام دورات المياه العامة أو يكتب عليها ذكرياته الشخصية.

في بعض الدول قد لا توجد تشريعات معيارية لمستوى دورات المياه، ولا توجد خطط لتطويرها ولرفع مستواها. وحتى لا يبقى حديثنا نظريا، ففي الصين بني في عام 2015م 55 ألف دورة مياه عامة جديدة، وخططت لإضافة أكثر من 70 ألف دورة مياه في عام 2020م مع حملة إعلامية تحث على النظافة المنزلية وبعض التشريعات الملزمة خاصة في الميترو، ويرى الفرق من زار الصين قبل هذه التواريخ والآن، وخاصة في الأماكن السياحية والأرياف، لا أكذب أن صاحبنا رأى في أحد مواقع التواصل الاجتماعي من يتفاخر بالتقنية والنظافة ويصور إحدى دورات المياه!

استوعب الناس النظام بقوة الوعي والتشريعات، فلم يعد من الواجب توضيح الواضحات! أخيرا، هذه ليست سوى أمثلة فحسب، ويمكن سحب هذا على كل ما نخطط لتطويره، فالوعي والتشريعات والمعايير كلها يمكن أن تساهم في رفع مستوى الوعي.

Halemalbaarrak@