الجدارات السلوكية... حين تتحول القاعة إلى مختبر للوعي المؤسسي!
الأحد - 07 ديسمبر 2025
Sun - 07 Dec 2025
في عالم العمل المؤسسي، لا تقاس الجدارة فقط بما نعرفه أو ننجزه، بل بما نعكسه من قيم وسلوك في المواقف اليومية. فالدورات التدريبية، وإن بدت في ظاهرها محطات للتعلم المهني، إلا أنها في عمقها تمثل مختبرا صغيرا للوعي الإنساني والتنظيمي، حيث يلتقي الأفراد بتجاربهم المختلفة ليكونوا معا صورة مصغرة لثقافة المؤسسة ومستقبلها.
على مدى أربعة أيام من دورة «الجدارات السلوكية» التي جمعت موظفين وموظفات من مختلف إدارات الوزارة، لم تكن القاعة مجرد مكان للتدريب، بل مساحة للتفاعل واكتشاف الذات والآخرين. الملفت في مثل هذه البرامج ليس المحتوى النظري فحسب، بل الطريقة التي تمارس بها المفاهيم بين الناس؛ كيف يصغون لبعضهم، كيف يختلفون، وكيف يعبر كل منهم عن فكرته بطريقة تكشف الكثير من شخصيته.
الجدارات السلوكية، كما تؤكدها أدبيات الإدارة الحديثة، ليست قائمة من المهارات الجاهزة، بل انعكاس لمستوى النضج النفسي والسلوكي في التعامل مع المواقف. فالقدرة على التواصل، مثلا، لا تعني فقط إيصال الفكرة، بل إدراك اللحظة المناسبة للحديث، والوعي بلغة الجسد ونبرة الصوت، والقدرة على احترام مساحة الآخر.
ومن زاوية علم النفس التنظيمي، فإن التدريب الجماعي يكشف ما لا تكشفه التقارير. فحين تتاح للموظفين مساحة آمنة للتعبير والمشاركة، يبدأ ما يسمى بـ«الأمان النفسي» في الظهور؛ وهو أحد أهم مؤشرات فعالية الفريق ورضاه المهني. إنه الشعور بأن الخطأ ليس تهديدا، وأن الرأي المختلف لا يعني ضعفا، بل إثراء للحوار.
المدربون قد يقدمون المحتوى، لكن المشاركين هم الذين يمنحون الدورة معناها الحقيقي. ففي كل نقاش أو مداخلة، تتجلى أنماط القيادة، ومستويات الإنصات، ودرجات الذكاء العاطفي التي تحكم بيئة العمل دون أن تذكر بالاسم.
ومن زاوية القيادة، تعد الجدارات السلوكية أساسا للقيادة، التي تركز على بناء الإنسان قبل توجيهه. القائد الذي يمتلك الوعي السلوكي هو الذي يدرك أن التواصل ليس كلمات، بل إشارات ومشاعر ومواقف صغيرة تصنع فارقا كبيرا. والمؤسسات التي تدرك هذا المعنى، لا تكتفي بتدريب موظفيها على المهارات، بل تهيئ بيئة تسمح بنمو الوعي والسلوك في آن واحد.. وأن الإنصات الحقيقي هو أداة من أدوات القيادة، وليس ضعفا أو مجاملة.
لهذا فإن الاستثمار في هذه الجدارات هو استثمار في رأس المال البشري العميق، ذلك الجزء غير المكتوب من منظومة الأداء، الذي يحدد ما إذا كانت المؤسسة تنمو بالثقة أو تتراجع بالصمت. والمؤسسات التي تعي هذا البعد لا تدرب موظفيها على المهارات فحسب، بل تهيئ لهم بيئة تمكنهم من أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومتعاونين مع الآخرين. فالمهارة يمكن اكتسابها، لكن السلوك لا يزرع إلا في تربة خصبة من الثقة والاحترام المتبادل. إن ما يحدث في القاعات التدريبية ليس انعزالا عن الواقع، بل هو انعكاس له. طريقة النقاش، توزيع الأدوار، الاستماع، والمبادرة، كلها مؤشرات على مدى نضج المؤسسة ثقافيا وتنظيميا. ولهذا، فإن الاستثمار في الجدارات السلوكية هو استثمار في بنية الوعي المهني ذاته، لأنه يعيد تعريف «الموظف» من كونه منفذا للمهام إلى كونه فاعلا في بناء الثقافة المؤسسية.
ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي بعد انتهاء أي دورة هو تطبيق هذه الجدارات على أرض الواقع؛ أن تنتقل المفاهيم من الورق إلى السلوك اليومي، وأن ينعكس أثرها في طريقة التفكير واتخاذ القرار والتعامل بين الزملاء. فالتحول السلوكي لا يتحقق بالتوجيهات أو الشعارات، بل بالاستمرارية والممارسة والقدوة.
تبقى أعظم نتائج التدريب ليست في الشهادات التي تسلم، بل في الأثر الإنساني الذي يتركه الأفراد في بعضهم، وفي تلك اللحظة التي يدرك فيها الجميع أن العمل ليس سباقا نحو الإنجاز فحسب، بل رحلة مشتركة نحو الفهم والنضج. إن الجدارات السلوكية ليست موضوعا إداريا مجردا، بل فلسفة تعيدنا إلى أصل الفعل الإنساني في العمل، أن نفهم أنفسنا أولا، ثم نحسن التعامل مع من حولنا. وحين يتحقق هذا الوعي الجمعي، تصبح بيئة العمل أكثر انسجاما، وتتحول المؤسسة من نظام إداري إلى منظومة نضج إنساني تسير بخطى ثابتة نحو التطوير المستدام. فالجدارة في جوهرها ليست أن نتقن ما نعمل فقط، بل أن نعمل ونحن نفهم أنفسنا والآخرين، لأن النجاح المهني يبدأ من الداخل... لا من اللوائح.
على مدى أربعة أيام من دورة «الجدارات السلوكية» التي جمعت موظفين وموظفات من مختلف إدارات الوزارة، لم تكن القاعة مجرد مكان للتدريب، بل مساحة للتفاعل واكتشاف الذات والآخرين. الملفت في مثل هذه البرامج ليس المحتوى النظري فحسب، بل الطريقة التي تمارس بها المفاهيم بين الناس؛ كيف يصغون لبعضهم، كيف يختلفون، وكيف يعبر كل منهم عن فكرته بطريقة تكشف الكثير من شخصيته.
الجدارات السلوكية، كما تؤكدها أدبيات الإدارة الحديثة، ليست قائمة من المهارات الجاهزة، بل انعكاس لمستوى النضج النفسي والسلوكي في التعامل مع المواقف. فالقدرة على التواصل، مثلا، لا تعني فقط إيصال الفكرة، بل إدراك اللحظة المناسبة للحديث، والوعي بلغة الجسد ونبرة الصوت، والقدرة على احترام مساحة الآخر.
ومن زاوية علم النفس التنظيمي، فإن التدريب الجماعي يكشف ما لا تكشفه التقارير. فحين تتاح للموظفين مساحة آمنة للتعبير والمشاركة، يبدأ ما يسمى بـ«الأمان النفسي» في الظهور؛ وهو أحد أهم مؤشرات فعالية الفريق ورضاه المهني. إنه الشعور بأن الخطأ ليس تهديدا، وأن الرأي المختلف لا يعني ضعفا، بل إثراء للحوار.
المدربون قد يقدمون المحتوى، لكن المشاركين هم الذين يمنحون الدورة معناها الحقيقي. ففي كل نقاش أو مداخلة، تتجلى أنماط القيادة، ومستويات الإنصات، ودرجات الذكاء العاطفي التي تحكم بيئة العمل دون أن تذكر بالاسم.
ومن زاوية القيادة، تعد الجدارات السلوكية أساسا للقيادة، التي تركز على بناء الإنسان قبل توجيهه. القائد الذي يمتلك الوعي السلوكي هو الذي يدرك أن التواصل ليس كلمات، بل إشارات ومشاعر ومواقف صغيرة تصنع فارقا كبيرا. والمؤسسات التي تدرك هذا المعنى، لا تكتفي بتدريب موظفيها على المهارات، بل تهيئ بيئة تسمح بنمو الوعي والسلوك في آن واحد.. وأن الإنصات الحقيقي هو أداة من أدوات القيادة، وليس ضعفا أو مجاملة.
لهذا فإن الاستثمار في هذه الجدارات هو استثمار في رأس المال البشري العميق، ذلك الجزء غير المكتوب من منظومة الأداء، الذي يحدد ما إذا كانت المؤسسة تنمو بالثقة أو تتراجع بالصمت. والمؤسسات التي تعي هذا البعد لا تدرب موظفيها على المهارات فحسب، بل تهيئ لهم بيئة تمكنهم من أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومتعاونين مع الآخرين. فالمهارة يمكن اكتسابها، لكن السلوك لا يزرع إلا في تربة خصبة من الثقة والاحترام المتبادل. إن ما يحدث في القاعات التدريبية ليس انعزالا عن الواقع، بل هو انعكاس له. طريقة النقاش، توزيع الأدوار، الاستماع، والمبادرة، كلها مؤشرات على مدى نضج المؤسسة ثقافيا وتنظيميا. ولهذا، فإن الاستثمار في الجدارات السلوكية هو استثمار في بنية الوعي المهني ذاته، لأنه يعيد تعريف «الموظف» من كونه منفذا للمهام إلى كونه فاعلا في بناء الثقافة المؤسسية.
ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي بعد انتهاء أي دورة هو تطبيق هذه الجدارات على أرض الواقع؛ أن تنتقل المفاهيم من الورق إلى السلوك اليومي، وأن ينعكس أثرها في طريقة التفكير واتخاذ القرار والتعامل بين الزملاء. فالتحول السلوكي لا يتحقق بالتوجيهات أو الشعارات، بل بالاستمرارية والممارسة والقدوة.
تبقى أعظم نتائج التدريب ليست في الشهادات التي تسلم، بل في الأثر الإنساني الذي يتركه الأفراد في بعضهم، وفي تلك اللحظة التي يدرك فيها الجميع أن العمل ليس سباقا نحو الإنجاز فحسب، بل رحلة مشتركة نحو الفهم والنضج. إن الجدارات السلوكية ليست موضوعا إداريا مجردا، بل فلسفة تعيدنا إلى أصل الفعل الإنساني في العمل، أن نفهم أنفسنا أولا، ثم نحسن التعامل مع من حولنا. وحين يتحقق هذا الوعي الجمعي، تصبح بيئة العمل أكثر انسجاما، وتتحول المؤسسة من نظام إداري إلى منظومة نضج إنساني تسير بخطى ثابتة نحو التطوير المستدام. فالجدارة في جوهرها ليست أن نتقن ما نعمل فقط، بل أن نعمل ونحن نفهم أنفسنا والآخرين، لأن النجاح المهني يبدأ من الداخل... لا من اللوائح.