عبدالله الزير

كيف تعيد المدن الناجحة تصميم تجربة شحن السيارات الكهربائية؟ ثلاث تجارب تعيد تعريف مستقبل التنقل الحضري

الأحد - 07 ديسمبر 2025

Sun - 07 Dec 2025

يشهد العالم تحولا غير مسبوق نحو السيارات الكهربائية؛ فبحسب تقرير "آفاق المركبات الكهربائية العالمية" الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، تجاوزت مبيعات السيارات الكهربائية 14 مليون سيارة في عام 2023، بزيادة تفوق 35% عن العام السابق. ومع هذا التسارع العالمي نحو السيارات الكهربائية، تتبين حقيقة أساسية: التقنية وحدها لا تكفي. فالشواحن، مهما تضاعفت، لن تصبح جزءا من الحياة اليومية ما لم تدمج داخل بيئة حضرية تفهم كيف يعيش السكان ويتنقلون. لقد اكتشفت المدن الناجحة أن السؤال الأهم ليس كيف (نزيد) من عدد الشواحن، بل كيف نجعلها (مناسبة لطريقة العيش) في المدينة.

ومن بين التجارب العالمية، تبرز حكايات ثلاث مدن، أمستردام ولندن وسيؤول، نجحت كل منها بطريقتها الخاصة في الإجابة عن السؤال أعلاه، وتوصلوا كلهم إلى الاستنتاج ذاته: "قيمة البنية التحتية ليست في حجمها... بل في قابليتها للاستخدام اليومي".

1- أمستردام: عندما يصبح الشحن جزءا من الروتين اليومي

بدأت أمستردام رحلتها مبكرا، حين سمحت في عام 2013 للسكان بطلب تركيب شاحن عام قرب منازلهم عندما يشترون سيارة كهربائية. وبحسب دراسات سياسات البنية التحتية للشحن في هولندا، أدى هذا الإجراء إلى نمو دقيق ومتدرج للشبكة بناء على الطلب الفعلي في كل حي.

وبحسب تقرير إحصاءات المركبات الكهربائية في هولندا الصادر في نهاية عام 2021، بلغ عدد نقاط الشحن نحو 82 ألف نقطة شحن عادية، و2500 نقطة شحن سريع، وهو من أعلى المعدلات لنقاط الشحن مقابل الفرد في أوروبا.

كما أوضحت دراسة جامعة دلفت للتكنولوجيا أن وضع الشواحن على مسافة من 200 إلى 400 متر من منازل السكان يخفض تكلفة الشبكة بملايين اليوروات، ويرفع معدل الاستخدام في الوقت نفسه. حيث إن المسافة القصيرة تجعل من شحن السيارة جزءا طبيعيا من الروتين اليومي.

إذًا، أمستردام لم تسع إلى سياسة "شاحن لكل مبنى"، بل إلى شبكة ذكية، موزعة، وقريبة، ومنخفضة الكلفة.

2- لندن: عندما يكون الحل فوق الرصيف منذ البداية

في لندن، كانت المشكلة مختلفة. فالأحياء السكنية قديمة ومكتظة، والتمديدات الجديدة مكلفة، والشوارع ضيقة. لكن شيئا كان حاضرا في كل شارع تقريبا: أعمدة الإنارة!

ففي 2016، بدأت تجربة صغيرة في حي كنسينغتون وتشيلسي بتركيب 8 شواحن مدمجة داخل الأعمدة.
ومع نجاح التجربة، توسعت تركيبات الشواحن المدمجة في الأعمدة سريعا، ووفقا لملف دراسة الحالة للمشروع، سجل الحي بحلول مايو 2022 أكثر من 540 شاحنا مدمجا داخل أعمدة الإنارة، و110 شواحن متوسطة القدرة، و3 محطات للشحن السريع موزعة في الحي.

وتشير وثيقة "محطات الشحن عبر أعمدة الإنارة - يوبيتريسيتي" إلى أن الشاحن الواحد يحتاج قدرة تقارب 5 كيلوواط فقط، وهي قدرة تستطيع أعمدة الإنارة توفيرها دون تعديلات كبيرة.

فهنا جعلت لندن الشحن جزءا من الرصيف، لا إضافة طارئة عليه.

3- سيؤول: مدينة عمودية تبحث عن حلول تناسب ارتفاعها

في سيؤول، حيث الأبراج السكنية والمواقف تحت الأرض، كان الحل تنظيميا بالدرجة الأولى.
ففي أغسطس 2021، عدلت الحكومة الكورية قانون المركبات الصديقة للبيئة لتلزم المجمعات التي تضم 100 شقة فأكثر بتركيب الشواحن. وفي يناير 2022، فرض على الأبراج الجديدة تخصيص 5% من المواقف للشحن، وعلى الأبراج القائمة تخصيص 2% من المواقف على الأقل.

وفي عام 2023، فتحت وزارة البيئة باب التقديم لتركيب الشواحن من قبل السكان أنفسهم، مما أدى إلى تسجيل نحو 10 آلاف طلب لتركيب شواحن بطيئة في فترة زمنية قصيرة.

ولكن مع النمو السريع، ظهرت بعض التحديات الأمنية. ففي 2024، شهدت سيؤول حوادث حرائق داخل المواقف السفلية، مما دفع البلدية إلى استحداث تشريعات جديدة للحد من مشكلة الحرائق:

1- منع دخول السيارات المشحونة بأكثر من 90%.

2- فحص أنظمة الإطفاء في أكثر من 400 مجمع.

هذه التجربة أظهرت أن البنية التحتية في المدن العمودية لا تكتمل بالتركيب، بل تحتاج إلى إدارة فعالة وصيانة مستمرة.

ما الذي يجمع هذه المدن الثلاث رغم اختلافها؟

على الرغم من اختلاف الجغرافيا والعمران بين المدن، إلا أن التجارب الثلاث تشترك في ثلاثة مبادئ جوهرية:

1- الشحن القريب أهم من الشحن الخاص: فالمعيار الحقيقي هو قرب الشاحن وقابلية استخدامه، لا ملكيته.

2- الحل يجب أن ينسجم مع طبيعة المدينة: فأمستردام اعتمدت المشي، ولندن أعادت استخدام أعمدة الإنارة، وسيؤول ركزت على الأبراج والتنظيم.

3- البنية الناجحة ليست الأكبر، بل الأكثر موثوقية: فالصيانة، والتشغيل، والأمان... عناصر لا تقل أهمية عن تركيب الشواحن نفسها.

ختاما، تكشف حكايات أمستردام ولندن وسيؤول أن التحول نحو السيارات الكهربائية لا يرتبط بعدد الشواحن بقدر ما يرتبط بقدرة المدينة على فهم حياة سكانها. ولهذا يبرز سؤال أصبح أكثر إلحاحا بالنسبة للمدن السريعة النمو:

كيف يمكن لمدينة حديثة، مترامية الأحياء وذات نسيج عمراني متنوع، أن تجعل تجربة الشحن قريبة وسهلة من مريديها ومنسجمة مع إيقاع الحياة اليومية؟

وحين تنجح المدينة في الإجابة عن هذا السؤال، يصبح انتشار السيارات الكهربائية نتيجة طبيعية... لا تحديا بنيويا معقدا.

@A_H_Alzeer