الجمعية الأهلية بين الرقابة وحق التقاضي
الخميس - 04 ديسمبر 2025
Thu - 04 Dec 2025
يمارس المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي في السنوات الأخيرة جهوده الرقابية على الجمعيات الأهلية، مستندا إلى صلاحياته النظامية في حماية أموال التبرعات والأوقاف وضمان الالتزام بالأنظمة واللوائح. وعندما يلجأ إلى قرارات مثل عزل مجلس إدارة أو تعيين مجلس مؤقت، فإنه يتحرك - من حيث الأصل - في إطار نظامي واضح، يقابله في الجهة الأخرى حق الجمعيات وأعضائها في التظلم والطعن أمام القضاء، وهو حق كفله النظام بما يوازن بين سلطة الرقابة وحق التقاضي.
غير أن الإشكال لا يقف عند حدود القرار والحكم، بل يبدأ فعليا عندما يتحول النزاع الإداري والقضائي إلى شلل في واقع الجمعية. ففي حالات عزل مجلس وتعيين مجلس مؤقت ثم صدور حكم مستعجل بوقف التنفيذ، تتردد البنوك في اعتماد التوقيع، وتتريث الجهات المانحة، وتتجمد بعض الحسابات، وتتأخر رواتب الموظفين، وتتعرقل برامج المستفيدين، فقط لأن أحدا لم يحسم عمليا: من يملك حق التوقيع والتمثيل خلال فترة النزاع؟
المستفيد الذي ينتظر خدمة عاجلة، والموظف الذي ينتظر راتبه، لا يعنيه كثيرا التفصيل القانوني لقرار العزل أو قوة دفوع المجلس أمام القضاء، بقدر ما يعنيه استمرار الخدمة واستقرار الدخل. ومع تكرار مثل هذه الحالات يظهر فراغ تنظيمي واضح وهو أن المنظومة تكفلت بالرقابة وقراراتها، وكفلت حق التقاضي، لكنها لم تضع بعد آلية مستقرة تضمن استمرار تسيير أعمال الجمعية حين تتنازع الأطراف على القيادة.
هنا تبرز فكرة قريبة من الحراسة القضائية المعروفة في النزاعات على الشركات والأوقاف، حيث يضع القاضي المال أو المشروع محل النزاع تحت يد أمين محايد يديره ويحافظ عليه إلى حين الفصل في أصل الخلاف. ويمكن تطوير نموذج مشابه بالتنسيق بين القضاء والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، عبر تعيين شخص أو لجنة محايدة تتولى إدارة الجمعية تشغيلا فقط خلال فترة النزاع، من صرف للرواتب، واستكمال البرامج القائمة، والوفاء بالالتزامات الضرورية، دون الدخول في مشاريع أو التزامات استراتيجية جديدة إلا بإذن خاص.
مثل هذا النموذج لا ينتقص من جهود المركز في الرقابة ولا من حقه النظامي في اتخاذ العقوبات عند الاقتضاء، بل يكمّلها؛ فهو يقول باختصار: يمكن للمركز أن يمارس سلطاته وفق النظام، ويمكن للأطراف أن يمارسوا حقهم في التقاضي، لكن دون أن تتوقف عجلة خدمة المستفيدين. كما أنه يضيف طبقة طمأنة للجهات المانحة والرقابية بأن النظام لم يترك الجمعية في فراغ إداري، بل وضع آلية تضمن الاستمرارية تحت إشراف قضائي ورقابي مشترك.
في النهاية، المشهد الذي يتكرر في بعض النزاعات يكشف عن حاجة لتطوير المنظومة لا للتشكيك في أصل الرقابة أو حق التقاضي. المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي يمارس دوره الرقابي وفق تخويل نظامي، والقضاء يمارس دوره في حماية الحقوق والفصل في الخصومات، لكن الحلقة المفقودة هي الآلية التي تضمن ألا يدفع المستفيدون والموظفون ثمنا قاسيا لهذا التوازن المشروع بين الرقابة والتقاضي. المطلوب مقاربة تشريعية وتنظيمية جديدة تجعل السؤال الأساسي في لحظة النزاع: كيف نحافظ على استمرار المرفق الخيري بأقل قدر من الاضطراب؟ لا أن ينحصر الجدل في من يجلس مؤقتا على مقعد الإدارة بينما تتوقف مصالح الناس عند أبواب الجمعية المغلقة.
غير أن الإشكال لا يقف عند حدود القرار والحكم، بل يبدأ فعليا عندما يتحول النزاع الإداري والقضائي إلى شلل في واقع الجمعية. ففي حالات عزل مجلس وتعيين مجلس مؤقت ثم صدور حكم مستعجل بوقف التنفيذ، تتردد البنوك في اعتماد التوقيع، وتتريث الجهات المانحة، وتتجمد بعض الحسابات، وتتأخر رواتب الموظفين، وتتعرقل برامج المستفيدين، فقط لأن أحدا لم يحسم عمليا: من يملك حق التوقيع والتمثيل خلال فترة النزاع؟
المستفيد الذي ينتظر خدمة عاجلة، والموظف الذي ينتظر راتبه، لا يعنيه كثيرا التفصيل القانوني لقرار العزل أو قوة دفوع المجلس أمام القضاء، بقدر ما يعنيه استمرار الخدمة واستقرار الدخل. ومع تكرار مثل هذه الحالات يظهر فراغ تنظيمي واضح وهو أن المنظومة تكفلت بالرقابة وقراراتها، وكفلت حق التقاضي، لكنها لم تضع بعد آلية مستقرة تضمن استمرار تسيير أعمال الجمعية حين تتنازع الأطراف على القيادة.
هنا تبرز فكرة قريبة من الحراسة القضائية المعروفة في النزاعات على الشركات والأوقاف، حيث يضع القاضي المال أو المشروع محل النزاع تحت يد أمين محايد يديره ويحافظ عليه إلى حين الفصل في أصل الخلاف. ويمكن تطوير نموذج مشابه بالتنسيق بين القضاء والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، عبر تعيين شخص أو لجنة محايدة تتولى إدارة الجمعية تشغيلا فقط خلال فترة النزاع، من صرف للرواتب، واستكمال البرامج القائمة، والوفاء بالالتزامات الضرورية، دون الدخول في مشاريع أو التزامات استراتيجية جديدة إلا بإذن خاص.
مثل هذا النموذج لا ينتقص من جهود المركز في الرقابة ولا من حقه النظامي في اتخاذ العقوبات عند الاقتضاء، بل يكمّلها؛ فهو يقول باختصار: يمكن للمركز أن يمارس سلطاته وفق النظام، ويمكن للأطراف أن يمارسوا حقهم في التقاضي، لكن دون أن تتوقف عجلة خدمة المستفيدين. كما أنه يضيف طبقة طمأنة للجهات المانحة والرقابية بأن النظام لم يترك الجمعية في فراغ إداري، بل وضع آلية تضمن الاستمرارية تحت إشراف قضائي ورقابي مشترك.
في النهاية، المشهد الذي يتكرر في بعض النزاعات يكشف عن حاجة لتطوير المنظومة لا للتشكيك في أصل الرقابة أو حق التقاضي. المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي يمارس دوره الرقابي وفق تخويل نظامي، والقضاء يمارس دوره في حماية الحقوق والفصل في الخصومات، لكن الحلقة المفقودة هي الآلية التي تضمن ألا يدفع المستفيدون والموظفون ثمنا قاسيا لهذا التوازن المشروع بين الرقابة والتقاضي. المطلوب مقاربة تشريعية وتنظيمية جديدة تجعل السؤال الأساسي في لحظة النزاع: كيف نحافظ على استمرار المرفق الخيري بأقل قدر من الاضطراب؟ لا أن ينحصر الجدل في من يجلس مؤقتا على مقعد الإدارة بينما تتوقف مصالح الناس عند أبواب الجمعية المغلقة.