نمر فهيد السبيلة

الأعشاب ليست بديلا آمنا دائما

الثلاثاء - 02 ديسمبر 2025

Tue - 02 Dec 2025



منذ القدم، ارتبطت الأعشاب بفكرة «الدواء الطبيعي»، وظلت رمزا للعلاج البسيط الذي يأتي من الأرض لا من المصانع. ومع تطور الطب، لم تختف هذه الفكرة، بل عادت بقوة في زمن «العودة للطبيعة». لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون هي أن الطبيعي لا يعني دائما «الآمن»، وأن بعض الأعشاب قد تكون سما بطيئا حين تستخدم دون وعي أو إشراف.

كثيرون اليوم يتجهون إلى الأعشاب والمكملات الطبيعية بحثا عن حل سريع أو آمن. أحدهم يشرب منقوعا «لتنقية الكبد»، وآخر يتناول كبسولات «لتقوية الذاكرة»، وثالث يخلط أنواعا من الأعشاب لعلاج ضغط الدم أو السكر. لكن وراء هذه الممارسات نوايا طيبة... ومخاطر كبيرة.

تظهر تقارير هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أن أكثر من 20% من الحالات المسجلة لتلف الكبد في الولايات المتحدة ناتجة عن مكملات عشبية أو منتجات طبيعية غير خاضعة للرقابة الدوائية. والأخطر أن بعضها يباع على أنه «آمن تماما» رغم احتوائه على مواد كيميائية فعالة لم تخضع لاختبارات السلامة الكافية.

ليس كل ما يأتي من الطبيعة صالحا للاستخدام المباشر. فبعض النباتات تحتوي على مركبات قوية قد تؤثر على القلب أو الكلى أو الجهاز العصبي. على سبيل المثال، نبات الديجيتاليس (Digitalis) الذي يستخدم منه دواء ديجوكسين (Digoxin) لعلاج قصور القلب، هو نبات سام في حالته الخام. تمكن العلماء من استخلاص المادة المفيدة بجرعات دقيقة بعد دراسات طويلة واعتماد رسمي من الـFDA.

المشكلة أن بعض الناس يتعاملون مع الأعشاب كأنها أطعمة، فيخلطونها بلا حساب أو جرعات. لكن الأعشاب ليست بريئة، فهي يمكن أن تتفاعل مع الأدوية الموصوفة وتغير تأثيرها داخل الجسم. فمثلا:

- الثوم والزنجبيل قد يضاعفان مفعول أدوية سيولة الدم، مما يزيد خطر النزيف.

- الجينسنغ قد يرفع ضغط الدم ويتداخل مع أدوية السكري.

- نبتة سانت جون (St. John’s Wort) تقلل فعالية أدوية الاكتئاب وأقراص منع الحمل.

حتى المكملات الغذائية التي تباع في المتاجر أو عبر الإنترنت قد تكون مضللة، إذ أظهرت تحاليل الـFDA أن نسبة من هذه المنتجات تحتوي على مواد دوائية مخفية، مثل الستيرويدات أو المنبهات، لم يصرح بها على الملصق. وهذا يعني أن المستهلك يبتلع دواء دون أن يدري.

في المقابل، هناك أدوية عديدة ذات أصل نباتي خضعت للتجارب واعتمدتها الـFDA بعد التأكد من فعاليتها وسلامتها، مثل:

- باكليتاكسيل (Paclitaxel) المشتق من لحاء شجرة الطقسوس لعلاج السرطان.

- الديجوكسين (Digoxin) المشتق من نبات الديجيتاليس لعلاج أمراض القلب.

- الأتروبين (Atropine) المأخوذ من نبات البلادونا ويستخدم في الطوارئ الطبية.

الفرق الجوهري هنا أن هذه الأدوية مرت بمراحل دقيقة من البحث والاختبار والاعتماد، في حين أن معظم الخلطات العشبية المنتشرة تقدم دون أي ضمانات علمية أو رقابة.

وفي مملكتنا الحبيبة، تقوم الهيئة العامة للغذاء والدواء (SFDA) بدور كبير في مراقبة منتجات الأعشاب والمكملات الغذائية، والتأكد من سلامتها قبل السماح بتداولها. كما تصدر تحذيرات دورية عن المنتجات غير المرخصة التي تباع عبر الإنترنت أو على وسائل التواصل، حماية للمستهلك.

ومع ذلك، يبقى المستهلك هو خط الدفاع الأول. من واجبه أن يتحقق من مصدر المنتج، وألا ينجرف وراء الإعلانات التي تعد بالشفاء السريع أو النتائج المذهلة. فالتثقيف الدوائي لا يعني فقط معرفة اسم الدواء، بل أيضا فهم متى تكون الطبيعة حليفا، ومتى تتحول إلى خطر صامت.

في النهاية، الأعشاب قد تكون مفيدة، لكنها ليست بديلا عن الطب الحديث ولا غطاء للتجارب. اسأل قبل أن تستخدم، واستشر الطبيب قبل أن تبتلع أي شيء طبيعي. فالصحة لا تقام على العشوائية، والجسد لا يحتمل التجارب.

تذكر دائما: كل ما هو طبيعي ليس بالضرورة آمنا، ولكن كل ما هو آمن يجب أن يكون علميا.