«الحياد» الصحافي و«السوشال ميديا»
الاثنين - 01 ديسمبر 2025
Mon - 01 Dec 2025
تحارب الهيئة العامة لتنظيم الإعلام ضمن مهامها الكثيرة المحتويات المعلوماتية الممنهجة، والتي تهدف إلى تأجيج الرأي العام، حيث يتم رصدهم وإحالتهم إلى النيابة العامة وفق نظام مكافحة جرائم المعلوماتية. هذه المهمة تظهر مرآة لتعقيدات في المشهد الإعلامي في زمن بات فيه كل مستخدم يملك منصة ونبرة مؤثرة.
في عصر ثورة وسائل التواصل لم تلغ الصحافة المهنية، لكنها هددت نموذجها التقليدي؛ تقارير رصد استهلاك الأخبار تظهر أن نسبة كبيرة من الجمهور باتت تحصل على معلوماتها من منصات رقمية تدار بمنطق السرعة والتفاعل، ما يجعل المحتوى العاطفي أو المثير ينتشر أسرع من التحري والتمحيص.
وهذا يضعنا عند سؤال هل هناك - إعلاميون حقيقيون - بعد السوشال ميديا؟ الإجابة قطعا نعم، لا يزال هناك صحفيون مهنيون يمتلكون أدوات التحقق والتحرير والمعايير الأخلاقية، لكنهم يعملون الآن وسط «ضوضاء» رقمية ضخمة. الأبحاث الأكاديمية حول «الصحافة المواطنة» تشير إلى أن هذا النوع من المحتوى ديمقراطي وقيمته في توسيع دائرة الرصد والمشاركة، لكنه يفتقد غالبا للمعايير المهنية والآليات القانونية التي تحكم الصحافة التقليدية، وبالتالي قد يتحول أداة لنشر معلومات مضللة أو تحريضية إن لم تراع ضوابطه.
إذاً لماذا نرى تجاوزا للحياد؟ هناك أسباب رئيسية منها اقتصاد التفاعل، المنصات تكافئ المحتوى الذي يحقق تفاعلا، وغالبا ما يكون المحتوى المستفز أو الحماسي أكثر قابلية للانتشار.
أيضا تراجع الثقة بالمؤسسات الإعلامية، واستمرارية ارتفاع شكوك الجمهور تجاه «الصحافة» يضعفان من دور وسائل الإعلام التقليدية كمرجعية للتدقيق. كذلك غياب التحقق الفوري لأن سرعة النشر تفوق قدرة آليات التحقق على وقف تداول الخطاب التحريضي قبل اتساعه.
أيضا التجاذب، السياسي والاجتماعي، يحول المحتوى إلى سلاح لإثارة الانقسامات، ما يسهل من المسارعات القضائية والرقابية في مواجهة «التأجيج».
وهنا يظهر للعيان تساؤل مهم وهو أين تكمن الخطورة؟ المحتوى التحريضي ليس مجرد «كلام»، بل يمكن أن يولد توترات اجتماعية، ويقوض السلم الأهلي، ويعرض منشئيه للمساءلة القانونية وفق قوانين مكافحة الجرائم المعلوماتية.
إذاً كيف نعالج المشكلة؟ يتم نشر علاج ذلك بخطوات عملية ومؤسسية وهي تعزيز الثقافة الرقمية لدى الجمهور، تعليم مهارات التثبت والتمييز في المدارس والجامعات والحملات العامة؛ وقد تكررت هذه التوصيات في تقارير الرقابة الإعلامية والدراسات الدولية.
أيضا تحديث ممارسات الصحافة المهنية ومنها إيضاح مصادر الخبر، نشر خطوات التحقق، وتعزيز الاستقلالية التحريرية لرفع مستوى الثقة، مع وضع آليات رقابية متوازنة وشفافة تكون الأطر القانونية واضحة ومعلنة، تحفظ الأمن المجتمعي.
عمل شراكات بين منصات التواصل والهيئات الإعلامية، مع وضع بروتوكولات سريعة للتحقق وإزالة المحتوى التحريضي مع ضمان آليات استئناف عادلة، ودعم منصات التحقق المستقلة، مع تمويل مراكز «التحقق من صحة المعلومات» المحلية ودمجها في شبكات الأخبار لتقليل سرعة انتشار الشائعات.
الإحالة الأخيرة لستة أشخاص تذكير صارخ بأن المساحات الرقمية ليست فضاء للخارجين عن القانون، لكنها أيضا دعوة لإعادة تصويب ممارسات الإعلام، من الجمهور إلى الصحفي والهيئة والمنصة. والأخذ بالحل في تقوية المؤسسات، وتمكين الجمهور من أدوات التحقق، وتحديث قواعد اللعبة بحيث ينتصر الحق والوضوح على الضوضاء.