شاهر النهاري

مباني السعودية وخيارات التطبيع

الاثنين - 01 ديسمبر 2025

Mon - 01 Dec 2025



في خضم التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تختبر ثوابت السياسة وتتعرض القناعات الاستراتيجية لاهتزازات كبرى.

ومع ذلك، تبرز المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية وازنة تمتلك رؤية مستقرة حيال القضية الفلسطينية وخيارات التطبيع مع إسرائيل.

هذه الرؤية ليست نتاج لحظة عابرة، بل امتداد لمسار دبلوماسي طويل بدأ منذ مبادرة السلام العربية عام 2002، حين أكدت السعودية أن أي علاقة طبيعية مع إسرائيل يجب أن تبنى على أساس واضح: إنهاء الاحتلال، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وتحقيق عدالة سياسية لا لبس فيها.

وبقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، تواصل المملكة التمسك بمواقفها دون انغلاق أو تعنت، مستندة إلى مزيج من المصلحة الوطنية والاتزان الأخلاقي. فالسعودية تدرك أن أي تطبيع لا يمكن أن يكون هدفا في ذاته، بل وسيلة إصلاح مشروطة بضمانات دولية وزمنية ملزمة، تعيد للشعب الفلسطيني كرامته وتمنع الالتفاف لاحقا على الاتفاقات والحقوق.

ولهذا تظهر الرياض وضوحا كاملا في كل لقاءاتها مع الولايات المتحدة والعواصم المؤثرة، مؤكدة أن الحل يجب أن يكون واقعيا وقابلا للتطبيق والرقابة.

من هذا المنطلق، تنظر السعودية إلى التطبيع باعتباره مشروعا لا يدار بالمجاملات الدبلوماسية أو بالعهود الشفوية، بل بخطة دقيقة قابلة للقياس والمراجعة.

وتشدد الرياض على ضرورة وقف التعديات، ووضع جدول زمني صريح لإنهاء الاحتلال، وإيجاد ضمانات رقابية دولية تحصن أي اتفاق من الانهيار أو التحايل.

وخصوصا أن تجارب التطبيع العربية المتسرعة أثبتت للجميع غياب هذه الضمانات، ما يؤدي إلى إجحاف واختراقات متكررة، وهو ما يفسر حذرها المسؤول لا المتزمت، وحرصها على حماية مبادئها وواجباتها تجاه المقدسات الإسلامية والشعب الفلسطيني.

والمملكة تدرك أيضا أن مكانتها كقائدة عربية وإسلامية ميزة تمنحها مسؤولية مضاعفة، إذ تتولى الوصاية الروحية على المواقع الإسلامية، وتعد مرجعا سياسيا ومعنويا في قضايا الأمتين العربية والإسلامية.

كذلك فالمملكة أيضا تسعى للحفاظ على مصالحها الوطنية ومنع استغلال قضية التطبيع للضغط أو لانتزاع تنازلات تمس تاريخها أو قيمتها أو أمنها. والتمسك بالضمانات الدولية ليس مجرد احتياط، بل استراتيجية صدق واضحة لتأمين استقرار مستدام يجنب المنطقة من أي اتفاقيات رخوة أو متعجلة.

وفي موازاة ذلك، تعزز المملكة علاقاتها مع الولايات المتحدة من خلال شراكات في الطاقة والدفاع والاستثمار، إلى جانب توسعها في تحالفات اقتصادية عالمية متوازنة تسند قوتها الإقليمية وتزيد من نفوذها.

ورغم تنوع هذه العلاقات، تبقى القضايا العربية والإسلامية أولوية ثابتة في حسابات الرياض، التي تعمل على دعمها عبر تعزيز مكانتها وندية حضورها وقدرتها على فرض شروط عادلة.

ومع تزايد التحديات وتشابك المصالح وارتفاع أصوات الأعداء والمشككين، تظل السعودية ثابتة على نهجها، متمسكة برؤيتها وحقوق شعوب المنطقة، وساعية إلى بناء نموذج تطبيع مختلف: تطبيع يعزز العدالة، ويضمن الأمن، ويحترم الحقوق التاريخية، ويصنع سلاما حقيقيا لا هدنة مؤقتة.

وهكذا تمضي المملكة في صياغة مستقبل أكثر استقرارا للمنطقة، مستندة إلى وضوح المبدأ، وقوة الدولة، ومسؤولياتها الأخلاقية، والإنسانية.