حين تضعف المهارة.. يضطرب الإنسان
السبت - 29 نوفمبر 2025
Sat - 29 Nov 2025
ليست كل الجراح النفسية ناتجة عن صدمات عميقة أو مواقف قاسية، كثير منها ينشأ من النقص الصامت في مهارات الحياة. من لا يعرف كيف يدير وقته، كيف يعبر عن نفسه، كيف يواجه مشاكله أو ينظم أفكاره، يعيش في دوامة من الفوضى العاطفية مهما بدا ناجحا من الخارج. حيث يتحول اليوم العادي إلى ساحة قتال، ومع تكرار هذه الثغرات الصغيرة، يتكون الضغط المزمن، ويتحول الارتباك إلى اضطراب حقيقي. إنها ليست مأساة قدر، بل نتيجة غياب الأدوات التي تجعلنا نتعامل مع القدر بوعي. فالحياة ليست معركة ضد الأحداث، بل تدريب دائم على كيفية التعامل معها.
من هنا نفهم ما أشار إليه العالم (ألبرت باندورا) حين تحدث عن "الكفاءة الذاتية"، وهي ثقة الإنسان بقدرته على التعامل مع المواقف. هذه الكفاءة لا تأتي من الشعارات ولا من النيات الطيبة، بل من ممارسة المهارات الحياتية: أن تجيد حل المشكلات، وأن تتحكم في نفسك، وأن تتواصل بوضوح. حين تضعف هذه المهارات، يضعف معها الإحساس بالقدرة، كل مشكلة صغيرة تتحول في عينه إلى جبل، وكل موقف بسيط إلى تهديد. فيبدأ القلق والاكتئاب والشعور بالعجز في التسلل. فليس غياب القوة هو ما يؤلمنا دائما، بل غياب الثقة بأننا نستطيع. فالكفاءة لا تولد مع الإنسان، بل تكتسب، تماما كما تصنع العضلات بالتدريب، لا بالتمني.
أما عالم النفس (إريكسون) فذهب أبعد من ذلك، حين ربط بين المراحل العمرية وبين المهارات المطلوبة في كل مرحلة: الثقة في الطفولة، الاستقلال في الصغر، المبادرة في المراهقة، والهوية في الشباب. وحين تفشل مرحلة في تسليم مهارتها للتي تليها، يخرج الإنسان بنقص في نضجه العاطفي. وتبقى تلك الفجوة تتسع داخله مع كل تجربة جديدة. طفل لم يشعر بالأمان، يصبح شابا لا يثق بأحد. طفل لم يمنح فرصة المبادرة، يصبح بالغا مترددا عاجزا عن القرار. هكذا تولد الاضطرابات النفسية الهادئة التي لا ترى بالعين، لكنها تستهلك القلب والعقل في صمت.
المهارات الحياتية ليست ترفا نفسيا، بل هي خطوط الدفاع الأولى ضد الانهيار. أن تتعلم كيف تقول "لا" دون شعور بالذنب، أن تعبر عن غضبك دون إيذاء، أن تواجه مشكلة بدل الهروب منها، أن تضع حدودا دون أن تكون قاسيا، أن تفهم نفسك قبل أن تطالب الآخرين بفهمك. هذه كلها مهارات تنقذك من الغرق في فوضى داخلية. العجيب أن كثيرين يبحثون عن "علاج نفسي"، بينما العلاج يبدأ من تعلم مهارة حياتية لم يتقنوها في وقتها.
حين نفتقر إلى المهارة، نبالغ في ردود أفعالنا، ونخطئ في تفسير المواقف، ونفقد الاتزان أمام ضغوط الحياة. فتصبح كلمة نقد بسيطة كطعنة، وتأخير بسيط في الرد خيانة، وتحد صغير كارثة.
بينما الإنسان الماهر في التعامل مع ذاته يعرف أن كل ما حوله مؤقت، وأن الحلول موجودة إن هو هدأ وفكر. إنها ليست مجرد فروق في الذكاء، بل في المهارة المكتسبة: مهارة التفكير، ومهارة الصبر، ومهارة رؤية الأمور من زاوية أخرى. تتحول الحياة اليومية إلى اختبار مستمر يفشل فيه الإنسان دون أن يعرف السبب. ليست مشكلته أنه ضعيف، بل أنه غير مدرب.
الحياة لا تدار بالنيات وحدها، بل بالكفاءة. والكفاءة لا تكتسب إلا بالخبرة والتعلم والممارسة. قد لا نملك أن نمنع الصدمات الكبرى، لكننا نملك أن نزرع داخلنا المهارات التي تخفف آثارها. تعلم كيف تدير وقتك، كيف تتحدث، كيف تصغي، كيف تختار، وكيف تعيد بناء نفسك بعد كل سقوط. فالاضطراب النفسي لا يولد من الظلام فجأة، بل من غياب الضوء الصغير الذي اسمه "المهارة". وحين تتعلم مهارات الحياة، لا تكتسب فقط توازنا نفسيا، بل تكتسب حياة تستحق أن تعاش.
من هنا نفهم ما أشار إليه العالم (ألبرت باندورا) حين تحدث عن "الكفاءة الذاتية"، وهي ثقة الإنسان بقدرته على التعامل مع المواقف. هذه الكفاءة لا تأتي من الشعارات ولا من النيات الطيبة، بل من ممارسة المهارات الحياتية: أن تجيد حل المشكلات، وأن تتحكم في نفسك، وأن تتواصل بوضوح. حين تضعف هذه المهارات، يضعف معها الإحساس بالقدرة، كل مشكلة صغيرة تتحول في عينه إلى جبل، وكل موقف بسيط إلى تهديد. فيبدأ القلق والاكتئاب والشعور بالعجز في التسلل. فليس غياب القوة هو ما يؤلمنا دائما، بل غياب الثقة بأننا نستطيع. فالكفاءة لا تولد مع الإنسان، بل تكتسب، تماما كما تصنع العضلات بالتدريب، لا بالتمني.
أما عالم النفس (إريكسون) فذهب أبعد من ذلك، حين ربط بين المراحل العمرية وبين المهارات المطلوبة في كل مرحلة: الثقة في الطفولة، الاستقلال في الصغر، المبادرة في المراهقة، والهوية في الشباب. وحين تفشل مرحلة في تسليم مهارتها للتي تليها، يخرج الإنسان بنقص في نضجه العاطفي. وتبقى تلك الفجوة تتسع داخله مع كل تجربة جديدة. طفل لم يشعر بالأمان، يصبح شابا لا يثق بأحد. طفل لم يمنح فرصة المبادرة، يصبح بالغا مترددا عاجزا عن القرار. هكذا تولد الاضطرابات النفسية الهادئة التي لا ترى بالعين، لكنها تستهلك القلب والعقل في صمت.
المهارات الحياتية ليست ترفا نفسيا، بل هي خطوط الدفاع الأولى ضد الانهيار. أن تتعلم كيف تقول "لا" دون شعور بالذنب، أن تعبر عن غضبك دون إيذاء، أن تواجه مشكلة بدل الهروب منها، أن تضع حدودا دون أن تكون قاسيا، أن تفهم نفسك قبل أن تطالب الآخرين بفهمك. هذه كلها مهارات تنقذك من الغرق في فوضى داخلية. العجيب أن كثيرين يبحثون عن "علاج نفسي"، بينما العلاج يبدأ من تعلم مهارة حياتية لم يتقنوها في وقتها.
حين نفتقر إلى المهارة، نبالغ في ردود أفعالنا، ونخطئ في تفسير المواقف، ونفقد الاتزان أمام ضغوط الحياة. فتصبح كلمة نقد بسيطة كطعنة، وتأخير بسيط في الرد خيانة، وتحد صغير كارثة.
بينما الإنسان الماهر في التعامل مع ذاته يعرف أن كل ما حوله مؤقت، وأن الحلول موجودة إن هو هدأ وفكر. إنها ليست مجرد فروق في الذكاء، بل في المهارة المكتسبة: مهارة التفكير، ومهارة الصبر، ومهارة رؤية الأمور من زاوية أخرى. تتحول الحياة اليومية إلى اختبار مستمر يفشل فيه الإنسان دون أن يعرف السبب. ليست مشكلته أنه ضعيف، بل أنه غير مدرب.
الحياة لا تدار بالنيات وحدها، بل بالكفاءة. والكفاءة لا تكتسب إلا بالخبرة والتعلم والممارسة. قد لا نملك أن نمنع الصدمات الكبرى، لكننا نملك أن نزرع داخلنا المهارات التي تخفف آثارها. تعلم كيف تدير وقتك، كيف تتحدث، كيف تصغي، كيف تختار، وكيف تعيد بناء نفسك بعد كل سقوط. فالاضطراب النفسي لا يولد من الظلام فجأة، بل من غياب الضوء الصغير الذي اسمه "المهارة". وحين تتعلم مهارات الحياة، لا تكتسب فقط توازنا نفسيا، بل تكتسب حياة تستحق أن تعاش.