نواف التبيناوي

شركة المياه الوطنية.. معاناة لا تنتهي

السبت - 29 نوفمبر 2025

Sat - 29 Nov 2025

حين أراد أحد المواطنين الذين اطلعت على تجربتهم شخصيا قبل عامين استخراج رخصة هدم منزل، كان المطلوب مجرد توقيع من ثلاث جهات: الكهرباء، والاتصالات، والمياه. أنهى الأولى والثانية خلال أسبوع، لكن التوقيع الثالث تحول إلى رحلة شاقة امتدت أكثر من ثلاثة أشهر بين الرياض والخبر. إجراءات معقدة، وأخطاء متكررة، ومواعيد تتجدد بلا سبب واضح، حتى بدا أن المراجع يدور في دائرة مغلقة لا تنتهي. أما الوكيل الذي كلف بالمراجعة نيابة عنه في مصلحة المياه بالخبر، فلم يجد تعاونا ولم يتمكن من إنجاز شيء، إذ اصطدم بتسلسل إداري طويل يستهلك الوقت دون أن يقدم نتيجة.

لم يكن الاتصال بالرقم المجاني للشركة أفضل حالا؛ فالردود الآلية تتكرر بلا نتيجة، والمتابعة غائبة تماما. وعند الوصول إلى موظف خدمة العملاء، لا يسمع المتصل سوى العبارة المعتادة «سنرفع لك الطلب». تمر الأيام ولا جديد، وكأن الهدف من الاتصال توثيق المعاناة لا حلها. أما في المكاتب، فالوضع لا يختلف كثيرا؛ بطء في الاستجابة، وإجابات لا تدل على فهم للأسئلة، وتشتت في المسؤوليات يجعل العميل لا يعرف أين يبدأ أو أين ينتهي.

وعودة إلى ما قبل استخراج الرخصة، وخلال مراجعاته المتكررة، أوضح نية الهدم بوضوح، لكن كل موظف كان يقدم رأيا مختلفا؛ منهم من نصحه بإزالة العداد نهائيا، ومنهم من قال إن الإيقاف المؤقت يكفي مع دفع رسوم رمزية لا تتجاوز خمسة أو ستة ريالات شهريا حتى يعاد البناء. اختار الحل الثاني، لكنه فوجئ بعد اكتمال الهدم بوصول فواتير تتراوح أحيانا بين مبالغ رمزية وأخرى مرتفعة تجاوزت سبعمئة ريال، بحجة «الاستهلاك العالي»، رغم أن المنزل مهدوم والأرض خالية.

تظهر بيانات الاستهلاك خلال آخر اثني عشر شهرا قراءات متذبذبة بلا تفسير فني مقنع، وحين رفعت الشكوى عبر التطبيق الرسمي جاء الرد الآلي المعتاد «عميلنا العزيز، تم دراسة الشكوى وتبين أن الفاتورة صحيحة». وهكذا أغلقت القضية بجملة الكترونية مقتضبة، بلا تفسير فني ولا متابعة حقيقية، ليجد نفسه من جديد بين التسديد والاعتراض، في تجربة تلخص خللا أعمق من مجرد خطأ في عداد أو نظام فواتير.

فإذا كان من هدم منزله يتلقى هذه القراءات اللامنطقية، فكيف ببقية العملاء الذين ما زالت عداداتهم تعمل في منازل مأهولة؟ المشكلة هنا لا تبدو حادثة فردية، بل مظهر من خلل إداري وتقني يحتاج إلى مراجعة جذرية. فحين تستمر الشركة في إصدار فواتير غير دقيقة، ولا يجد المراجع مسارا واضحا للحل، تهتز الثقة بالخدمة، وتتحول علاقة العميل بالمرفق العام من تعاون إلى صراع مرهق ومستفز، تتعالى فيه الأصوات أحيانا.

إن إصلاح هذا الخلل لا يحتاج شعارات جديدة، بل إجراءات واضحة تبدأ من تدريب الموظفين تدريبا فعالا على خدمة العميل وحل الإشكالات دون تأخير، سواء في المكاتب أو عبر الاتصال الموحد، وتستكمل بتفعيل آلية التدقيق الميداني قبل الفوترة للحالات التي تسجل تغيرا مفاجئا أو قراءات غير منطقية، بحيث تراجع آليا ويوجه فريق فني للتحقق منها قبل اعتماد المبلغ على العميل، ثم تحسين التنسيق بين الإدارات والفروع وربطها بنظام متابعة موحد يضمن سرعة المعالجة ودقة التنفيذ، مع إتاحة إنجاز التوقيعات ومواعيد الزيارات الميدانية عن بعد وتسهيلها الكترونيا ضمن مدد زمنية معقولة، بدلا من إرهاق العميل بالسفر من مدينة إلى أخرى لإنهاء إجراء يمكن تسهيله الكترونيا، وانتهاء بإعادة النظر في أنظمة القياس والقراءات في العدادات لضمان دقتها وتوافقها مع الواقع الميداني. فالمياه مورد أساسي لا يحتمل الفوضى، والعميل لا يطلب امتيازا بل خدمة عادلة وسريعة وواضحة.

وهذا الحوار الختامي يختصر أسلوب التعامل مع بعض موظفي الشركة:

قال العميل لموظف الخدمة في فرع الرياض العام المنصرم:

– وصلتني الفاتورة مرتفعة والمنزل مهدوم؟

الموظف: كيف مهدوم ولم تبلغنا؟

العميل: وهل يستطيع المواطن أن يهدم منزله دون رخصة هدم؟

الموظف - بعد أن رأى الرخصة وشعر بالضيق من إجابته - بدأ بأسلوب «الاستقعاد»: أريد أن أرى الورقة التي وقعت من شركة المياه من أجل الهدم.

العميل: الورقة في بلدية الخبر، والبلدية لا تصدر الرخصة إلا بعد اكتمال التوقيعات.

الموظف: يجب أن أتأكد!