ولافي العصيمي

ضحايا وسائل التواصل الاجتماعي بين الحقيقة والوهم

السبت - 29 نوفمبر 2025

Sat - 29 Nov 2025

في عصر باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تحولت هذه المنصات من أدوات للتقارب والتواصل إلى مساحات معقدة تمزج فيها الحقيقة بالوهم، وتصنع فيها صور مثالية قد لا تعكس الواقع. وبين هذا وذاك، ظهر ما يعرف اليوم بضحايا وسائل التواصل الاجتماعي، وهم الأشخاص الذين فقدوا توازنهم النفسي والاجتماعي نتيجة الاستخدام المفرط أو غير الواعي لهذه الوسائل.

من أبرز صور الوهم التي ترسمها منصات التواصل، تلك الحياة "المثالية" التي يعرضها المؤثرون: أجساد مثالية، سفر دائم، رفاهية بلا حدود. هذه الصور، وإن كانت في كثير من الأحيان منتقاة ومعدلة، تزرع شعورا خفيا بالنقص والمقارنة المستمرة لدى المتابعين، فيبدأ الإنسان بقياس حياته بما يراه على الشاشة لا بما يعيشه على أرض الواقع.

أما الحقيقة، فهي أن كثيرا من هؤلاء "الناجحين" أو "السعداء" يعانون خلف الكواليس من ضغوط نفسية وعزلة وخوف دائم من فقدان الاهتمام. لكن هذه الحقيقة قلما تعرض، لأن الوهم أكثر جذبا وانتشارا.

ولم تعد الأضرار مقتصرة على الأفراد فقط، بل امتدت إلى العلاقات الأسرية والاجتماعية، حيث قلت الحوارات الحقيقية، واستبدلت بالتفاعلات السطحية، وأصبح "الإعجاب" و"المشاركة" بديلين عن الدعم الحقيقي.

وفي زمن تقاس فيه القيمة بعدد المتابعين، بات البعض أسرى لإرضاء الجمهور الافتراضي، حتى لو كان ذلك على حساب صحتهم النفسية وهويتهم الحقيقية.

إن الحل لا يكمن في مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي بالكامل، بل في الاستخدام الواعي: أن ندرك أن ما نراه ليس الحقيقة الكاملة، وأن لكل إنسان معاركه الخفية. علينا أن نعلم أنفسنا وأبناءنا أن قيمتنا لا تقاس بعدد المتابعين ولا بعدد الإعجابات، بل بما نعيشه من صدق واتزان.

وفي النهاية، تبقى الحقيقة أثمن من ألف وهم، والوعي هو طريق النجاة في عالم تزداد فيه الشاشات لمعانا... والواقع غموضا.