بخيتة الحويطي.. سدو تبوك الذي أعاد للتراث نبضه وأدخل عليه روح العصر

الخميس - 27 نوفمبر 2025

Thu - 27 Nov 2025

في إحدى زوايا الفعاليات الحرفية، ضمن معرض "بنان" الذي تنظمه هيئة التراث تجلس بخيتة الحويطي بثقة هادئة، كأن خيوط السدو تمتد من أصابعها مباشرة إلى ذاكرة المكان، تنتمي بخيتة إلى منطقة تبوك، وتحمل على كتفيها ثلاثين عامًا من العمل في المشغولات النسيجية وحرفة السدو، الحرفة التي ورثتها عن والدتها منذ طفولتها، حين كانت تجلس إلى جانبها تراقب حركة الخيوط وتتعلم منها أولى أسرار الحرفة.

لكن بخيتة لم تكتفِ بالموروث كما هو؛ فبعد سنوات من العمل وفق قواعد السدو القديم، قررت أن تخوض رحلة تطوير كبيرة، فالتحقت بدبلوم خارجي في الأردن، ثم أكملت مسيرتها العلمية بدراسةدبلوم تطوير نسيج، وتوجت ذلك بماجستير كمدربة محترفة، لتصبح واحدة من أبرز الأصوات الحديثة في تجديد النسيج العربي.

طورت بخيتة المعلقات الجدارية بإدخال فكرة كتابة الشعر والقصائد عليها باستخدام السدو، فحوّلت الخيط إلى قصيدة، والنسيج إلى لوحة أدبية، وهو ما جعل أعمالها محط اهتمام واسع، كما أدخلت غرزًا جديدة إلى الحرفة بهدف التجديد، في حين حافظت على الفلسفة الأصلية للسدو الذي يُنسج من الصوف الطبيعي 100%، وتُصبغ ألوانه بمواد طبيعية خالصة تزيد من جماله دون أي مواد كيميائية.

وتؤكد بخيتة أن منتجاتها ليست مجرد ديكور، فهي تراثية بهوية وطنية، تجميلية للمكان، وصحية أيضًا، إذ يتميز الصوف الطبيعي بقدرته على سحب الشحنات الكهربائية من الجسم.

وعلى مدى مسيرتها الطويلة، امتلكت بخيتة خبرة واسعة في أنواع الصوف ، وتفرّغت لتدريب الأجيال الجديدة، حيث قامت بالتدريس لمدة عامين في جامعة تبوك – كلية الاقتصاد، وعلّمت مادة النسيج، كما درّست في المدارس من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية تطوّعًا بهدف إحياء التراث ونقل المعرفة للطلاب.

شاركت بخيتة في كبرى المناسبات الوطنية مثل الجنادرية وسوق عكاظ، متوجة ذلك بالفوز بجائزة عكاظ المركز الأول لثلاث مرات، وهو إنجاز يعكس قيمة ما تقدمه.

واليوم، تدرّس بخيتة مختلف غرز السدو في بيت الحرفيين بتبوك، وتعلّم أسماءها الأصيلة:

الضليعة، الأجيدية، المنقية، العويرجان—الغرز التي ورثها أبناء الصحراء عن آبائهم وأجدادهم، والتي تبدأ بخيط صغير... وتنتهي بحكاية طويلة.

بخيتة الحويطي ليست مجرد حرفية؛ إنها ذاكرة تمشي على قدمين، تحرس روح السدو، وتبني له مستقبلًا يليق بعمقه، وتثبت أن التراث حين يُمسك بالأصابع... يعيش في القلب.