ياسر عمر سندي

دكتوراه مع مرتبة الترف

الخميس - 27 نوفمبر 2025

Thu - 27 Nov 2025


في هذا العصر نعيش تسارعا مع المعارف المختلطة والمنتجات المستحدثة ومعها تشتد الحاجات المجتمعية إلى تلك العقول القادرة على البحث والنادرة على الابتكار، لحل الكثير من التساؤلات والمعضلات، ومواكبة التحديات الملحة للنمو والتطور والارتقاء؛ وتعد درجة الدكتوراه من المراحل الأكاديمية التي تؤهل صاحبها إلى ذلك الفهم الدقيق والوعي العميق بحسب تخصصه.

بلا شك، فإن هذه الدرجة الأكاديمية الرفيعة أعتبرها عقدا أخلاقيا بين الباحث والمجتمع، والتزاما غليظا بالمساءلة عن إنتاجه المعرفي وفكره التقدمي؛ إلا أن الواقع في عالمنا العربي يكشف عن ما أسميه مرتبة الترف الأكاديمي بوجود شريحة من حملة هذه الدرجة توقف عطاؤهم عند الإعلان بمنحهم الدرجة العلمية.

فيحدث الانقطاع المعرفي والانعزال الثقافي واكتفاء بعض الأكاديميين بالألقاب إما للوجاهة الاجتماعية والظهور العام أو أنهم منكبون على التدريس التقليدي بالتكرار والاجترار والترجمة لما في الكتب والأبحاث المهاجرة دون إضافة أو نقد أو تغيير؛ مع غياب الابتكارات وانخفاض المبادرات التي تؤدي لافتقار المجتمعات.

الشهادة الأكاديمية أجدها رخصة للعبور وامتدادا للجسور بقراءة الواقع المجتمعي وإفراز مكامن المخزون الشخصي وإعمال العقل البشري بطرح التساؤلات النقدية والوصول للاكتشافات المجدية؛ ولكن عندما يتحول الأكاديمي لمجرد موظف يؤدي مهام روتينية دون إحداث بصمة تأثيرية، ستخسر المؤسسات المجتمعية تلك الفرص الثمينة لحصول المنافسة التنموية.

برأيي، إن المشكلة ليست دائما في نقص الكفاءة العلمية، بل في غياب تلك الهمة العالية وذلك التصور الواضح للمعنى الأكاديمي بعد نيل الدرجة، وإغفال الدور الفاعل والحقيقي في إجراء المحاولات التطبيقية، وتحليل الظواهر البيئية، وتأليف الكتب، وبناء الروابط المعرفية التي تردم تلك الفجوة التي يحتاجها صانعو القرار في بحثهم الجاد عن إضافات الرأي الأكاديمي الرصين المؤدي للإنجاز والتحول لما هو أفضل.

من المفترض أن يتقاطع الحصول على الدرجة الأكاديمية مع استشعار المسؤولية واستدراك معنى نشر زكاة العلم، وذلك الحق الديني والوطني والمجتمعي بأنه دين في رقبة الباحث يقع على عاتقه من خلال فهم فلسفة الإحسان ورد الجميل ببذل المهارات العالية والقدرة على إثراء مراكز البحث العلمي، وكتابة الآراء الفارقة، وبناء الهوية المهنية، وفهم الواقع العصري بكيفية حلحلة الأمور المستعصية وطرح توليفة الخبرات التراكمية في جميع المجالات التي تهم البشرية الدينية والاجتماعية والنفسية والطبية والفضائية والتجارية والاقتصادية والسياسية؛ والتركيز على التواصل المنتج، والبعد عن الصراعات، والسعي الحثيث لإثارة العقل الجمعي وصولا للحقائق.

مسؤولية درجة الدكتوراه ليست وساما فخريا يمنح، بل ممارسة الاستثمارات المعرفية وإضافة المبادرات الإنسانية والمنطقية التي تعزز الحراك المجتمعي وتنشئ جودة الحياة المأمولة؛ ومن هنا يكمن الفرق جليا بين ذلك الأكاديمي العابر والآخر القادر الذي يؤمن بأن العلم فعل مستمر والمعرفة التي لا تنتج ولا تتجدد تتراجع وتتلف بسبب ذلك الترف.

Yos123Omar@