خضر عطاف المعيدي

الرضا الشعبي

الخميس - 27 نوفمبر 2025

Thu - 27 Nov 2025


«لا أعلم مفتاح النجاح ولكني على علم بمفتاح الفشل وهو: محاولة إرضاء المجتمع». - كوسبي.

خلق الله الإنسان حرا طليقا ولم يقيده إلا بما يصلح أمره، وهي ليست قيودا تكبل حياته بل قيم تجعل لوجوده منفعة له ولغيره، ولكن انحرف الإنسان عبر العصور عن الحرية التي وهبها الله إياها ليكبل حريته برضا الناس من حوله.

يعيش أغلب الناس في عصرنا هذا وفق ما يريده الناس منه لا وفق ما يريده لنفسه، فهو رهن بما يظن به الناس من حوله، فإن رضوا عنه فقد نال السعادة التي يريد وإن غضبوا شعر بأن الدنيا لا تسعه.

ولكم جر رضا الناس بعض الأفراد إلى المهالك التي أنهت حياتهم. فالذي يتكلف في كرمه للضيف إنما يسعى - في الغالب - إلى الحصول على الرضا الشعبي ليقال كريم وأجود من الريح. ومن آثار الرضا الشعبي على أغلب الأفراد كثرة رواج هذه المثل «كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس». ولو أنزلنا هذا المثل على الواقع لوجدنا الغالب قد جعلوه نبراسا لحياتهم. تجد البعض يتمنى أن يلبس لبسا معينا لا يخدش الحياء ولا المروءة، ومع ذلك يتهيب أن يلبسه كي لا يراه الناس بمثل هذا النوع من الملابس التي لا يرضاها له المجتمع.

ومن العجائب أنني في فترة سابقة من حياتي تزاملت مع شخص وكان إماما لأحد المساجد وتبادلنا أطراف الحديث عن الرياضة، حيث قال إنه يمارس الرياضة بشكل منتظم، فبادرته بالسؤال وما ترتدي من ملابس للرياضة؟ فقال الثوب. فتعجبت وسألت: أثوبا ترتدي للرياضة؟ قال نعم، فلا يليق بي وأنا أصلي بالناس أن يروني في ملابس رياضية. فقلت: أفي ذلك إثم؟ فسكت وقال: حتى إنني ألتثم بشماغي كي لا يعرفني من حولي. فتعجبت أهذه رياضة أم حفلة تنكرية!! وما علاقة أن يراك الناس بزي رياضي خارج المسجد أو داخله ما دام يستر ما حض الشارع على ستره...!

حتى حينما يريد الفرد شراء سيارة - على سبيل المثال - فإنه يبحث عما يكثر رواجه في المجتمع وليس وفق ما يتفق مع هواه ورغبته، لأنه إن خالف المنظومة المجتمعية سينهال عليه النقد بأنواعه. وحينما يبدأ بخوض تجربة الوظيفة تجده مثقلا بالديون ويسابق الزمن كي يبني منزلا أو ليشتري أرضا كي ينال الرضا الشعبي ليدخل في الإطار المجتمعي الشهير «ترجل»، لأن رجولته كانت ناقصة ولم تكتمل إلا بشراء البيت أو الأرض التي لربما دفنه أبناؤه وتقاسموا تركته وهو لم يسكنها أو ينته من قرض شرائها، ويذهب للقبر وهو لم ينل على شهادة الرضا الشعبي «ترجل» في سيرته.

من المؤسف جدا أن يسعى الإنسان للرضا الشعبي في كل حركة ونفس، بل ولكم جر الرضا الشعبي البعض على أداء العبادات طلبا في الحصول على الرضا الشعبي، فكم من معتمر ذهب لأداء العمرة وحرص على تصوير عبادته حرصا على الرضا الشعبي، وكم من صائم للاثنين والخميس كان هدفه الرضا الشعبي، وكم من بار بوالديه جعل الرضا الشعبي همه ليقال عنه إنه «بار» وكم وكم وكم، والنتيجة بعد ذلك أنك لم ولن تنال يوما رضا الناس ولو أدخلت في أفواههم العسل، لأن الرضا إنما هو سراب زائف وغيمة سوداء سرعان ما تنقشع وتتبدد بظهور الشمس، وكذلك هم أغلب الناس الذين تسعى لرضاهم ففي لحظة واحدة لا تأتي على رضاهم ستجب كل ما صنعت في سابق حياتك... لذلك عليك بطلب الرضا من الله أولا وأخيرا وستجد السعادة تلاحقك والهم قد فر منك، وستشعر بتصالح كبير مع نفسك...لا تجعل عينك أفقية تراقب الناس بل اجعلها عمودية تراقب الله وحده لا شريك له.