فهد إبراهيم المقحم

انتبه.. خلفك مطب!

الثلاثاء - 25 نوفمبر 2025

Tue - 25 Nov 2025


دعاني قبل سنوات أحد الفضلاء لزيارة مدينته، وقد أكرمنا بوقته وغمرنا بجوده. ونحن نسير في سكينة ومستمتعين بجولتنا، إذ نفاجأ بمطب يحدث جلجلة في مركبتنا، وما هي إلا لحظات حتى ظهرت لنا لوحة إرشادية مكتوب فيها «انتبه .. مطب!».

على أن الموقف مضحك، إلا أنه يحكي واقعا مريرا لبعض القادة عند صناعة التغييرات المربكة داخل المنظومات وخارجها؛ إذ يعمدون إلى مفاجأة أصحاب المصلحة بتغييرات لا يفهمون أسبابها، ولا يعرفون أهدافها، ولا يدركون أبعادها؛ فينقسمون بين معارض يقاومها ومتألم يحاول التكيف معها؛ فتتعثر رحلة التغيير، وقد تفشل في تحقيق أهدافها.

في دراسة استقصائية لنحو 3000 مدير تنفيذي، وجدت ماكنزي (McKinsey) أن أكثر من 60% من الجهود المبذولة في التغيير يعتريها التعثر والفشل! وهذا ما أكدته هارفارد بزنس ريفيو (Harvard Business Review) إذ أشارت إلى فشل أكثر من 70% من مبادرات التغيير والتحول في المنظمات!

في أحد الاجتماعات لإحدى الوزارات طلب وزيرها تحديد موعد لتنفيذ مبادرة ستحدث تغييرا جوهريا في منظومته، فقيل له: معاليك الأمر يتطلب تأنيا ودراسة، وإدارة فاعلة للتغيير؛ خشية مواجهة سيل جارف من العقبات والتحديات، فما كان منه إلا أن قال: الصدمة أسرع خيار للتغيير الناجح!
نحن لا نشكك في إخلاصه وحماسته لإحداث نقلة نوعية في مخرجات منظومته، إلا أن الغاية لا تبرر الوسيلة؛ ولذا لا عجب أن عددا من المبادرات في زمنه تعثرت، بل وألغيت كليا بعد رحيله!

وقبل سنوات استقطبت إحدى المؤسسات المحلية قائدا للموارد البشرية الذي قام بتنفيذ تعديلات سريعة لتعويضات العاملين أدت إلى غضب وانتقاد واسع بين صفوف منسوبيها، مما أثر على مستوى جودة خدماتها ورضا عملائها.

إذا أردنا لطموحاتنا أن تتحقق، ونجاحاتنا أن توثق، فنحتاج - بعد توفيق الله - إلى دراسة شاملة ومتأنية، وإدارة للتغيير فاعلة، والأمر يصبح أكثر إلحاحا عندما يتعلق هذا التغيير بمنظمات وطنية أو بقطاعات محورية ذات تأثير واسع على الأفراد والمجتمعات، ولنتذكر دوما أن التغيير سلاح ذو حدين، إما أن يحقق مجدا أو يهدم صرحا.

من الوسائل الناجعة في تحقيق تغييرات فاعلة، الاستفادة من أحد نماذج إدارة التغيير الشائعة، مثل: كوتر (Kotter›s 8-Step Model)، وأدكار (ADKAR Model)، وماكينزي (McKinsey 7-S Model)، ولوين (Lewin›s Change Management)، وكوبلر-روس (Kübler-Ross Curve). ولتبيان طبيعة هذه النماذج، وإسهامها في نجاح التغيير، سأتحدث بإيجاز عن نموذج «أدكار».

يعد هذا النموذج هو العمود الفقري لمنهجية بروساي (Prosci) لإدارة التغيير، وقد ابتكره مؤسسها جيفري هيات (Jeffrey Hiatt)، قبل أكثر من عقدين، بعد دراسة وتحليل لأنماط التغيير لدى أكثر من 700 منظمة. ويستخدم هذا النموذج اليوم من قبل عشرات الآلاف من قادة التغيير حول العالم.

وكلمة «أدكار» أتت من مجموع الأحرف الإنجليزية الأولى من مراحل النموذج الخمس التي يجب توافرها لدى أفراد المنظمة، وهي كالآتي:
  • الوعي (Awareness) بضرورة التغيير والحاجة إليه الآن للتحسين أو تفادي أي مخاطر محتملة.
  • الرغبة (Desire) في المشاركة ودعم التغيير إيمانا بأهميته وثمراته.
  • المعرفة (Knowledge) بكيفية التغيير ومتطلباته.
  • القدرة (Ability) على التغيير وتجاوز التحديات المحتملة من خلال امتلاك وإتقان المهارات والسلوكيات اللازمة.
  • التعزيز (Reinforcement) لضمان استمرارية نجاح التغيير والاستفادة من مخرجاته.
بالنظر إلى هذه المكونات يتبين لنا أن نموذج «أدكار» يساهم بشكل تصاعدي في إدارة عملية التغيير من خلال خمس مراحل تهدف إلى مساعدة الأفراد والمنظمات على الانتقال السلس والناجح من الوضع الحالي إلى الوضع المستهدف.

يركز النموذج بشكل أساسي على تحقيق النتائج لدى الأفراد، فهم محور التغيير، وبنجاحهم في تبني التغيير وإتقان أدوارهم تنجح المنظمة - بإذن الله - في إدارة مبادراتها؛ وعلى النقيض، غالبا ما تفشل المنظمات في إدارة التغيير بسبب مقاومة أفرادها، إما لعدم معرفة مسببات هذا التغيير، أو غياب الحوافز، أو الخوف من النتائج، أو عدم وجود خارطة طريق واضحة ومقنعة، أو الافتقار للمعرفة والمهارات والسلوكيات اللازمة، أو فرض هذا التغيير من أعلى دون مشاركة فاعلة للمعنيين من العاملين.

معشر القادة، قبل أن تطلقوا توجهاتكم الاستراتيجية، أو تعيدوا بناء الهياكل الإدارية، أو تحدثوا اللوائح التنظيمية، أو تفرضوا أنظمة رقمية، أو تقوموا بأي مبادرة من مبادرات التغيير والتحول، استثمروا في إدارة التغيير بقدر ما تستثمرون في التخطيط له؛ فالغاية والرغبة وحدهما لا تكفيان، بل هناك حاجة ملحة لأن تنتقل هذه الرغبة إلى أفراد المنظومة وتتجذر في قلوبهم لتشعل حماسهم، حينها تتحول هذه الرغبة إلى عزيمة صادقة ومساهمة فاعلة في تحقيق أهداف هذا التحول، بعد توفير الممكنات اللازمة لنجاحه وضمان استمرارية تحقيق ثمراته.

moqhim@