عبداللطيف محمد الحميدان

بعد الزيارة.. تموضع سعودي جديد في النظام العالمي

الأحد - 23 نوفمبر 2025

Sun - 23 Nov 2025



زيارة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن تفتح مرحلة جديدة في تموضع المملكة إقليميا وعربيا وإسلاميا ودوليا، وهي مرحلة تعكس تحولات عميقة في مقاربة الرياض لعلاقاتها مع القوى الكبرى ودورها في الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي.

فالزيارة جاءت لترسيخ شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة تقوم على تبادل المصالح الاقتصادية والتقنية والعسكرية، وتنسجم مع رؤية سعودية تهدف إلى تعزيز المكانة الدولية للمملكة بالاستناد إلى قوة اقتصادية متصاعدة ودور سياسي أكثر تأثيرا.

أما داخليا تمثل الاتفاقات الاقتصادية والتقنية والأمنية الموقعة خلال الزيارة أدوات رئيسية لتعزيز مسار التحول الوطني، حيث تعمل المملكة على تنويع اقتصادها وتطوير صناعات متقدمة تشمل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والدفاع بما يجعل الاقتصاد السعودي أكثر قدرة على المنافسة ويمهد لدور دولي أكثر حضورا.

أما إقليميا فإن الزيارة تعزز مكانة المملكة كلاعب مركزي في توازنات الشرق الأوسط، إذ إن التعاون الأمني الموسع مع واشنطن يساعد على بناء منظومة ردع وإدارة أزمات تتوافق مع متغيرات المنطقة، فيما تسمح الشراكات الاقتصادية الكبرى بدعم مشاريع الربط الإقليمي وتنشيط التكامل الاقتصادي.

وفي الوقت ذاته تحافظ الرياض على سياسة التوازن بين علاقاتها مع الولايات المتحدة وبين شراكاتها المتنامية مع الصين والهند وبقية القوى الآسيوية، ما يمنحها هامش حركة أكبر ويجعلها نقطة ارتكاز في شبكة تحالفات متعددة الاتجاهات.

وأما على مستوى العالم العربي، تؤكد الزيارة الموقع القيادي للمملكة، حيث تمزج الرياض بين نفوذ اقتصادي واسع وتحركات دبلوماسية تهدف إلى ترتيب العلاقات العربية الدولية على أسس أكثر توازنا ودعم مشاريع التنمية والاستقرار في المنطقة، بما يجعل السعودية محورا رئيسيا في صياغة السياسات العربية المستقبلية.

أما في العالم الإسلامي فتمنح شراكات المملكة مع واشنطن وغيرها من القوى الكبرى زخما إضافيا لدورها في القضايا الاستراتيجية سواء في جنوب آسيا أو آسيا الوسطى أو الدول الإسلامية الناشئة، مع اعتماد أدوات اقتصادية واستثمارية تمنحها قدرة أوسع على التأثير.

وعلى المستوى الدولي تظهر المملكة كقوة صاعدة تسعى إلى المشاركة في تشكيل النظام العالمي الجديد عبر مزيج من الانفتاح الاقتصادي والتحالفات المتعددة والقدرة على المناورة بين القوى الكبرى، وهو ما يجعلها لاعبا مطلوبا وفاعلا في ملفات الطاقة والتجارة والبنية التحتية والتقنيات المستقبلية.

وبعد الزيارة تبدو السعودية مقبلة على مرحلة أكثر وضوحا في تموضعها الدولي، إذ تسعى إلى تحويل مكاسب الشراكات الكبرى إلى نتائج داخلية وإقليمية ملموسة، والعمل على ترسيخ موقعها كقوة اقتصادية وسياسية محورية في المنطقة والعالم الإسلامي، مع الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها الدولية يضمن لها الاستقلالية والقدرة على التأثير في المسارات المستقبلية.