الخزّاف اليوناني ياسوناس داميانوس.. حضورٌ عالميّ يوقظ روح الخزف في "بنان"
الخميس - 20 نوفمبر 2025
Thu - 20 Nov 2025
في أجواء "الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية بنان" الذي تنظمه "هيئة التراث" في الرياض، يبرز هذا العام حضور عدد من الحرفيين الدوليين الذين جاؤوا ليقدموا تراثهم وفنونهم أمام جمهور واسع. ومن بين الأسماء اللافتة في الدورة الحالية يأتي الخزّاف اليوناني ياسوناس داميانوس، الذي يشارك للمرة الأولى في السعودية، مقدمًا رؤية متعمقة لفن الخزف وفلسفته في العمل اليدوي.
يقول داميانوس إن مشاركته جاءت بدعوة حصل عليها ضمن مجموعة من الحرفيين من بلده، معتبرا وجوده في الرياض فرصة للتبادل الثقافي والتعرّف على الحرف الخليجية عن قرب. ويصف حضوره في "بنان" بأنه "شرف ومساحة جديدة لمخاطبة جمهور يقدّر العمل اليدوي ويعرف قيمته"، مشيرًا إلى أن تنظيم الحدث أتاح للحرفيين مساحة واسعة لعرض أعمالهم والتواصل مع الزوار.
داميانوس يعمل خزّافًا متفرغًا منذ سنوات طويلة، ويقضي معظم يومه داخل مشغله في أثينا، حيث ينتج قطعًا مصنوعة من طين خاص يُحرق في درجات حرارة عالية تمنحه قوة وصلابة، وتجعله مناسبًا للاستخدام اليومي وفي أماكن راقية. ويوضح أن هذا النوع من الطين يتيح للفنان حرية كبيرة في التشكيل، ويسمح بظهور تفاصيل دقيقة تمنح القطعة شخصيتها الخاصة.
بدأت رحلته في هذه الحرفة داخل مصانع كبيرة كان يعمل فيها كصانع إنتاج، يصنع كميات كبيرة من القطع بشكل متتابع. ومع الوقت، أدرك أن العمل الذي يبحث عنه أكبر من مجرد تنفيذ قطع متشابهة، فانتقل ليؤسس مشغله الخاص ويبدأ في إنتاج أعمال تحمل روحه وبصمته. ويقول إن القطعة اليدوية تحتاج إلى صبر طويل، وإلى معرفة تتراكم مع السنين، وإن كل مرحلة من مراحل التشكيل والتجفيف والحرق تتطلب عناية خاصة ودقة في التعامل.
وعن اختيار الألوان، يؤكد داميانوس أن الإلهام يأتي أثناء العمل، وأن القطعة أحيانًا "تفرض لونها وشكلها". فهو يعتمد على خط تصميم واضح يعكس شخصيته الفنية، لكنه يترك مساحات واسعة للحدس وللمشاعر التي تراوده وهو يعمل. ويرى أن الفنان الحقيقي هو من يمزج بين خبرته وحسّه الشخصي، ويصنع عملاً يعبّر عنه قبل أن يخاطب السوق.
وفي مقارنة بين مشاركاته السابقة في دول أخرى ومشاركته في الرياض، يرى داميانوس أن الحرفة اليدوية تحمل القيمة نفسها في كل مكان، وأن الناس — مهما اختلفت ثقافاتهم — يبحثون دائمًا عن القطعة المصنوعة بحب وصبر.
ويقول إن الأعمال اليدوية تضيف قيمة خاصة للحظات اليومية، وإن استخدام طبق أو كوب مصنوع يدويًا يجعل اللحظة أكثر قربًا ودفئًا. ويشير إلى أن الحرف كانت تمرّ بفترات يقل فيها الاهتمام، لكنها اليوم تعود بقوة لتأخذ مكانها الطبيعي في الأسواق حول العالم.
ويضيف أن مشاركته في "بنان" أتاحت له فرصة للتعرّف على الحرف السعودية والخليجية، ولاحظ وجود اهتمام كبير من الجمهور بالحرفة اليدوية، إضافة إلى رغبة واضحة في معرفة تفاصيل مراحل الصناعة، وهو ما اعتبره مؤشرًا مهمًا على توسّع ثقافة تقدير القطع المصنوعة يدويًا.
داميانوس اختتم حديثه مؤكدًا أن هذه المشاركة لن تكون الأخيرة، وأن تجربته في الرياض منحته دافعًا أكبر للاستمرار في تطوير أعماله وتقديم الخزف بوصفه فنًا يحمل روح صانعه قبل أن يكون مجرد أداة للاستخدام.