رياض السلام تصنع السلام
الخميس - 20 نوفمبر 2025
Thu - 20 Nov 2025
قواميس الموت في جزء من المنطقة ستموت. يبدو أنها تتجه للمقبرة. ستلقى مصيرها الأخير. سيضع بعض الإخوة بنادقهم جانبا، إن نجحت الخطة. فصول القتل وسفك الدماء في سطورها الأخيرة. الجميع خاسر. لا أحد يكسب كما علمنا التاريخ، من الخصومة مع شقيقه في الدم والوطن.
الأيام القليلة الماضية شخصت أنظار العالم تجاه العاصمة الأمريكية واشنطن. لقد شهدت ما جعل الأرض ومن عليها، يعيد الحياة للتلفاز، وبعض وسائل الإعلام الجريحة.
الحدث: لقاء تاريخي بين أكثر رجلان تأثيرا في العالم. أزعم أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يملكان من المفاتيح، ما يجيز وصفهما بالوصف السابق.
السؤال، لماذا؟ لأن الزعيمان يملكان أدوات إقناع بعضهما البعض. وذا لن يكون دون وجود تناغم كبير بينهما. وهذا القول ليس إنشائيا، بل ثمة ما يمكن الاستدلال به.
مثل ماذا؟ الاصرار السعودي المتعاظم على منح الشعب الفلسطيني حقه الشرعي بالعيش على أراضي دولة مستقلة. وذلك قبل عشرات السنين. وأعيد ليلة البارحة الأولى في المكتب البيضاوي على مسمع الرئيس الأمريكي وطاقم حكومته، من قبل ولي العهد، الذي رسخ المبدأ السعودي بالنسبة للقضية الفلسطينية.
وهو بالمناسبة، موقف لا ترتجي الرياض من ورائه تحقيق انتصارات سياسية على أي طرف كان، بقدر ما تسعى لأن ينال الإنسان الفلسطيني حقه الشرعي، بدولة مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية.
قال ولي العهد بالنص: "نؤمن بأن العلاقات الجيدة مع دول الشرق الأوسط، تعد أمرا جيدا. وترغب السعودية في الانضمام إلى اتفاقات إبراهام، غير أن الانضمام مشروط بضمان مسار حقيقي للوصول إلى حل الدولتين، إذ ناقشناه اليوم بشكل جيد جدا مع الرئيس ترامب. أعتقد أن بإمكاننا التحضير لهذا المسار". والمعنى هنا واضح وضوح الشمس.
ماذا أيضا؟ حين منحت الرياض الغطاء السياسي للحكومة السورية الجديدة، دخلت بكامل ثقلها لإقناع سيد البيت الأبيض بالنظر إلى هذا الملف. وخلال أيام من التفاهمات تم القبول بالدولة الجديدة في دمشق، ورموزها وممثليها. قابل بعد ذلك ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع. ورُفعت العقوبات عن سوريا. ومن ثم عن شخص الرئيس.
وتلك التفاصيل الدراماتيكية التي حدثت مع سوريا؛ من شأنها أن تتحول بوصلتها للسودان. فقد فاجأ ترامب حضور منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي في واشنطن أمس، بطلب ولي العهد، التدخل لحل الأزمة السودانية.
وفي الحقيقة أن وجود ملف النزاع السوداني ضمن الأولويات السياسية والدبلوماسية السعودية ليس وليدا لليوم، لا بل منذ وقت مبكر، فقد كانت الرياض سباقة بجمع الأطراف المتخاصمة السودانية، بعد إندلاع الحرب، منعا لخروج الأمور عن السيطرة.
والقول بأنها "سباقة" ليس من باب الاستعراض. إنما يتأكد بالعودة للإشكال الذي اندلع في 15 أبريل 2023، وقتها لم تقف المملكة صامته، وبدأت تحركاتها، إلى أن تمكنت من خلق حالة توافق بين المتناحرين، للاجتماع على طاولة واحدة، وذلك ما حدث في جدة، يوم السادس من مايو، أي بعد أقل من شهر من إشتعال فتيل الحرب بين الإخوة السودانيين.
وتفسير التحرك السعودي بوقت وجيز، ينبع من كونها تعتمد مبادئ أخلاقية، تقوم على إمتلاكها الأدوات والثقل الأكبر في المنطقة، ما يخولها لأن تنصت لها جميع الأطراف.
أتصور أن تمكن ولي العهد من إقناع الرئيس الأمريكي بالتدخل في الملف السوداني، يستدعي النظر إلى شعوره الإنساني العميق تجاه الشعوب العربية، الذي ورثه عن والده، وجده المؤسس. هذا أولا.
ثانيا: استنتاج أن جميع المسارات الدبلوماسية، التي وضع صانع القرار السياسي السعودي ثقله فيها، كان مصيرها النجاح. ولك حق رؤية ما خلص له الأمر بين باكستان والهند، الجارتين النوويتين. مرورا بالحرب الغاشمة على غزة. وصولا إلى حزمة الملفات الآنف ذكرها في هذا المقال.
ثالثا: قوة الحجة، التي اقتنعت بها أكثر من 150 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، للاعتراف بفلسطين ككيان مستقل، هي ذاتها التي جعلت دونالد ترامب يتحرك فورا للعمل على حل الأزمة السودانية. وذلك تفسيره بالمعنى السياسي، قدرة سعودية على الإسهام بتشكيل أولويات العالم.
فالمملكة كما هو معروف عنها، لم ولن تضع يوما من الأيام، ملفات الأشقاء العرب محل مساومة، أو تقارب من أحد، أيا كان ثقله أو وزنه أو مسماه. لأنها تسير وفق خطوات ثابتة ومحكومة بقيم سياسية، وقبل ذلك إنسانية، منذ تأسيسها حتى اليوم، وبدون شك، لن تتخلى عنها إلى مالا نهاية.
إن واقع حال الكيان السعودي الرصين؛ هو الذي عول عليه محمد بن سلمان ودخل به للبيت الأبيض، وخوله أن يستقبل استقبال تاريخي مهيب، واستطاع أن يقنع الآخرين بأفكاره، لا أن يؤخذ منه أي شيء، لا يريد أن يعطيه.
رغم أن لغة الأرقام كانت حاضرة بقوة. والحديث عن تريليونات الدولارات. واستثمار، وذكاء اصطناعي. وطاقة ونفط. ومقاتلات الجيل الخامس.
لم ينسى الرجل إخوته العرب. أخرج ورقة السودان. وأخذ ما يريد.
لأنه ذهب وفي ذهنيته، أن رياض السلام.. تصنع السلام.
الأيام القليلة الماضية شخصت أنظار العالم تجاه العاصمة الأمريكية واشنطن. لقد شهدت ما جعل الأرض ومن عليها، يعيد الحياة للتلفاز، وبعض وسائل الإعلام الجريحة.
الحدث: لقاء تاريخي بين أكثر رجلان تأثيرا في العالم. أزعم أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يملكان من المفاتيح، ما يجيز وصفهما بالوصف السابق.
السؤال، لماذا؟ لأن الزعيمان يملكان أدوات إقناع بعضهما البعض. وذا لن يكون دون وجود تناغم كبير بينهما. وهذا القول ليس إنشائيا، بل ثمة ما يمكن الاستدلال به.
مثل ماذا؟ الاصرار السعودي المتعاظم على منح الشعب الفلسطيني حقه الشرعي بالعيش على أراضي دولة مستقلة. وذلك قبل عشرات السنين. وأعيد ليلة البارحة الأولى في المكتب البيضاوي على مسمع الرئيس الأمريكي وطاقم حكومته، من قبل ولي العهد، الذي رسخ المبدأ السعودي بالنسبة للقضية الفلسطينية.
وهو بالمناسبة، موقف لا ترتجي الرياض من ورائه تحقيق انتصارات سياسية على أي طرف كان، بقدر ما تسعى لأن ينال الإنسان الفلسطيني حقه الشرعي، بدولة مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية.
قال ولي العهد بالنص: "نؤمن بأن العلاقات الجيدة مع دول الشرق الأوسط، تعد أمرا جيدا. وترغب السعودية في الانضمام إلى اتفاقات إبراهام، غير أن الانضمام مشروط بضمان مسار حقيقي للوصول إلى حل الدولتين، إذ ناقشناه اليوم بشكل جيد جدا مع الرئيس ترامب. أعتقد أن بإمكاننا التحضير لهذا المسار". والمعنى هنا واضح وضوح الشمس.
ماذا أيضا؟ حين منحت الرياض الغطاء السياسي للحكومة السورية الجديدة، دخلت بكامل ثقلها لإقناع سيد البيت الأبيض بالنظر إلى هذا الملف. وخلال أيام من التفاهمات تم القبول بالدولة الجديدة في دمشق، ورموزها وممثليها. قابل بعد ذلك ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع. ورُفعت العقوبات عن سوريا. ومن ثم عن شخص الرئيس.
وتلك التفاصيل الدراماتيكية التي حدثت مع سوريا؛ من شأنها أن تتحول بوصلتها للسودان. فقد فاجأ ترامب حضور منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي في واشنطن أمس، بطلب ولي العهد، التدخل لحل الأزمة السودانية.
وفي الحقيقة أن وجود ملف النزاع السوداني ضمن الأولويات السياسية والدبلوماسية السعودية ليس وليدا لليوم، لا بل منذ وقت مبكر، فقد كانت الرياض سباقة بجمع الأطراف المتخاصمة السودانية، بعد إندلاع الحرب، منعا لخروج الأمور عن السيطرة.
والقول بأنها "سباقة" ليس من باب الاستعراض. إنما يتأكد بالعودة للإشكال الذي اندلع في 15 أبريل 2023، وقتها لم تقف المملكة صامته، وبدأت تحركاتها، إلى أن تمكنت من خلق حالة توافق بين المتناحرين، للاجتماع على طاولة واحدة، وذلك ما حدث في جدة، يوم السادس من مايو، أي بعد أقل من شهر من إشتعال فتيل الحرب بين الإخوة السودانيين.
وتفسير التحرك السعودي بوقت وجيز، ينبع من كونها تعتمد مبادئ أخلاقية، تقوم على إمتلاكها الأدوات والثقل الأكبر في المنطقة، ما يخولها لأن تنصت لها جميع الأطراف.
أتصور أن تمكن ولي العهد من إقناع الرئيس الأمريكي بالتدخل في الملف السوداني، يستدعي النظر إلى شعوره الإنساني العميق تجاه الشعوب العربية، الذي ورثه عن والده، وجده المؤسس. هذا أولا.
ثانيا: استنتاج أن جميع المسارات الدبلوماسية، التي وضع صانع القرار السياسي السعودي ثقله فيها، كان مصيرها النجاح. ولك حق رؤية ما خلص له الأمر بين باكستان والهند، الجارتين النوويتين. مرورا بالحرب الغاشمة على غزة. وصولا إلى حزمة الملفات الآنف ذكرها في هذا المقال.
ثالثا: قوة الحجة، التي اقتنعت بها أكثر من 150 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، للاعتراف بفلسطين ككيان مستقل، هي ذاتها التي جعلت دونالد ترامب يتحرك فورا للعمل على حل الأزمة السودانية. وذلك تفسيره بالمعنى السياسي، قدرة سعودية على الإسهام بتشكيل أولويات العالم.
فالمملكة كما هو معروف عنها، لم ولن تضع يوما من الأيام، ملفات الأشقاء العرب محل مساومة، أو تقارب من أحد، أيا كان ثقله أو وزنه أو مسماه. لأنها تسير وفق خطوات ثابتة ومحكومة بقيم سياسية، وقبل ذلك إنسانية، منذ تأسيسها حتى اليوم، وبدون شك، لن تتخلى عنها إلى مالا نهاية.
إن واقع حال الكيان السعودي الرصين؛ هو الذي عول عليه محمد بن سلمان ودخل به للبيت الأبيض، وخوله أن يستقبل استقبال تاريخي مهيب، واستطاع أن يقنع الآخرين بأفكاره، لا أن يؤخذ منه أي شيء، لا يريد أن يعطيه.
رغم أن لغة الأرقام كانت حاضرة بقوة. والحديث عن تريليونات الدولارات. واستثمار، وذكاء اصطناعي. وطاقة ونفط. ومقاتلات الجيل الخامس.
لم ينسى الرجل إخوته العرب. أخرج ورقة السودان. وأخذ ما يريد.
لأنه ذهب وفي ذهنيته، أن رياض السلام.. تصنع السلام.