واثق الخطى يمشي منتصرا محمد بن سلمان ضيف واشنطن الكبير..
الخميس - 20 نوفمبر 2025
Thu - 20 Nov 2025
لا تأتي اللحظات التاريخية من فراغ، ولا تصنع الصور الملهمة في ذاكرة الشعوب مصادفة أو على عجل. هناك دائما قائد يسبق زمانه، يقرأ التحولات قبل أن تكتمل ملامحها، ويمشي في طريق يراه الآخرون وعرا بينما يراه هو ممرا إلزاميا نحو مستقبل يليق بوطنه وشعبه. هكذا يبدو المشهد كلما تقدم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - إلى واجهة الأحداث، وهكذا تتجسد عبارة «واثق الخطوة يمشي منتصرا» في هيئة قائد، لا في جملة إنشائية.
في الزيارة الحالية لسمو ولي العهد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بدا واضحا أن المملكة لا تحضر بوصفها «ضيفا» على البيت الأبيض، بل كشريك استراتيجي يملك وزنه السياسي والاقتصادي والعسكري والرقمي، ويعرف تماما ماذا يريد، وإلى أين يتجه. الاستقبال المهيب في واشنطن لم يكن مجرد بروتوكول موسع، بل رسالة بليغة تقول إن الرياض اليوم مركز قرار، وإن صوتها مسموع في ملفات الطاقة والاقتصاد والذكاء الاصطناعي والأمن والاستقرار الإقليمي.
يمشي سمو ولي العهد في ممرات البيت الأبيض، لكنه يحمل معه ممرا آخر أطول بكثير؛ ممر التسعين عاما من الشراكة السعودية-الأمريكية، التي بدأت من الصحراء على شاطئ الخليج، لتصل اليوم إلى شراكات في الفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة النووية السلمية. لم تكن المملكة يوما في موقع المتلقي، بل في موقع الشريك الذي يضع شروطه، ويحفظ مصالحه، ويربط أي تعاون خارجي بأهدافه كرؤية 2030 ومستقبل أجياله القادمة.
واثق الخطوة هنا ليس وصفا لشخص فحسب، بل لطريقة تفكير كاملة. فمن يعرف مسار رؤية 2030 يدرك أن كل خطوة خارجية لسمو ولي العهد ليست رحلة بروتوكول، بل امتداد لخارطة طريق داخلية؛ الإصلاح الاقتصادي، تمكين القطاع الخاص، توطين الصناعات، الاستثمار في الإنسان السعودي، وتوسيع الحضور الدولي للمملكة على أساس المصالح المتبادلة لا المجاملات العابرة.
لذلك جاءت الأرقام في هذه الزيارة لتتحدث لغة واضحة: شراكات تتجه إلى تريليون دولار، واستثمارات نوعية في الذكاء الاصطناعي والتقنية والطاقة والتعدين والصناعات الدفاعية.
في عالم مضطرب، تتخطى فيه الأزمات الحدود، صار معيار قوة الدولة يقاس بقدرتها على الجمع بين أمنها الداخلي، ومكانتها في سلاسل الإمداد العالمية، وحضورها في أسواق الطاقة والتقنية والبيانات. والمملكة اليوم، كما يقدمها سمو ولي العهد في لقاءاته وتحركاته، ليست دولة تبحث عن موطئ قدم، بل دولة تسهم في صياغة قواعد اللعبة: شريك رئيسي في استقرار أسواق الطاقة، لاعب محوري في أمن المنطقة، مركز واعد للاقتصاد الرقمي ومراكز البيانات، ووجهة متنامية لرؤوس الأموال العالمية.
ولأن القادة الحقيقيين لا يكتفون بإدارة الحاضر، بل يذهبون لتأسيس المستقبل، جاءت ملفات الذكاء الاصطناعي في قلب هذه الشراكة. ما بين رؤية لتحويل المملكة إلى مركز عالمي لمراكز البيانات، وتطوير نماذج لغوية ضخمة باللغة العربية، وتمكين المواهب السعودية الشابة في مجالات التقنية، يتضح أن الرهان ليس على استثمارات مالية فحسب، بل على رأسمال بشري سيحمل الراية لعقود قادمة. فالشاب الذي يدرب اليوم في أكاديمية تقنية بالشراكة مع كبرى الشركات العالمية، هو نفسه الذي سيقود مشروعا سعوديا عالميا بعد سنوات قليلة.
واثق الخطوة يمشي منتصرا، لأنه يمشي ومعه شعبه. حالة الثقة التي يعيشها المواطن السعودي اليوم ليست عاطفة عابرة، بل ثمرة رؤية واضحة: وظائف نوعية في قطاعات المستقبل، فرص متزايدة لرواد الأعمال، مشاريع كبرى تعيد تشكيل جغرافيا المدن والاقتصاد، واستثمارات في الخارج يعود مردودها إلى الداخل تنمية وجودة حياة. كل اتفاقية توقع، وكل شراكة تعلن، ليست مجرد رقم على ورق، بل لبنة جديدة في بناء اقتصاد متنوع ومستدام، لا يعتمد على النفط وحده، ولا يكتفي بدور المتفرج في الثورة التقنية العالمية.
على المستوى السياسي والأمني، لم تكن الاتفاقيات الدفاعية والأمنية مجرد تعزيز لقدرات المملكة العسكرية، بل هي أيضا تثبيت لدورها كركيزة لاستقرار المنطقة. «اتفاقية الدفاع الاستراتيجي» مع الولايات المتحدة تضع العلاقة في إطار مؤسسي طويل المدى، يقوم على الردع لحماية الأمن، وفي الوقت نفسه على الإيمان بأن الدبلوماسية والحوار هما الطريق الأمثل لحل الخلافات. هذا التوازن بين القوة والحكمة، بين الردع والسلام، هو ما يمنح خطوات القيادة السعودية هذه الثقة الهادئة التي لا تحتاج إلى ضجيج.
وفي ملف الطاقة، تمضي المملكة بثقة القائد الذي يعرف قيمته في السوق العالمية، لكنه في الوقت نفسه يدرك أن المستقبل لن يكون للنفط وحده. من التعاون في البترول والغاز والبتروكيماويات، إلى التطلع للريادة في الهيدروجين النظيف والطاقة المتجددة والطاقة النووية السلمية، ترسم المملكة مسارا جديدا يجعل من ثرواتها الطبيعية بوابة لثروات معرفية وصناعية وتقنية. وكلما اتسعت الشراكات في هذا المجال، اتضح أن السعودية لا تكتفي بأن تكون «مصدر طاقة»، بل «مركزا عالميا لاقتصاد طاقة متنوع».
المشهد كله، من الاستقبال التاريخي في البيت الأبيض، إلى طاولة المباحثات، إلى توقيع الاتفاقيات، يعيد صياغة صورة المملكة في أذهان العالم؛ دولة عريقة بقيادة شابة تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، السعودية تتحرك بثقة، تتحدث بلغة الأرقام والحقائق، وتصر على أن تكون جزءا من صناعة المستقبل، لا جزءا من هوامش الحاضر. في هذا المشهد، لا يبدو سمو ولي العهد مجرد قائد يزور عاصمة كبرى، بل يبدو كما هو عليه: مهندس تحول وطني، يمد جسورا من الفرص بين الرياض وواشنطن، ليعبر فوقها جيل سعودي جديد نحو آفاق أوسع.
هكذا تترسخ عبارة «واثق الخطوة يمشي منتصرا» في الوعي الجمعي؛ ليست شعارا يرفع، بل مسيرة دولة تقف على قدميها بثبات، وتراهن على إنسانها قبل أي شيء، وتتقدم إلى العالم برؤية واضحة، وقائد يمشي بثقة... لأن وراءه وطنا كاملا يقول له في كل محطة: امض، فنحن معك.
mr_alshammeri@