ربطة العنق والتأثير على الجماهير
الخميس - 20 نوفمبر 2025
Thu - 20 Nov 2025
ربطة العنق ليست مجرد تفصيلة في مظهر رسمي عابر، بل يتم استخدامها في السياسة والإعلام والأعمال كلغة نفسية مؤثرة وغير منطوقة تتجاوز حدود الأزياء والبروتوكولات، وسأطرح في هذا المقال آراء تخصصية من وجهات نظر نفسية واجتماعية.
أضاف الفيلسوف المؤرخ والعالم الانثروبولوجي غوستاف لوبون، لفتة مهمة أوضحها في كتابه «سيكولوجية الجماهير» يمتلك اللون قدرة خفية على توجيه الانفعالات وتشكيل الانطباعات دون الحاجة إلى خطاب مباشر، ومن هنا يبرز الأزرق ودرجاته بوصفه أحد أقوى الألوان تأثيرا في صناعة صورة القائد والمسؤول لينتقل إلى حالة الاتزان والثقة والقدرة على اتخاذ القرار المرتبط بالحالة العاطفية في اللحظة الحساسة، لذلك يفضل السياسيون والتنفيذيون هذا اللون عندما يظهرون أمام الجمهور العريض في محاولة لزرع شعور الاستقرار والموثوقية لدى المتلقين.
ويرى عالم النفس التحليلي سيجموند فرويد أن الجماهير تتقبل من يمنحها الشعور بالأمان والانضباط أكثر ممن يمتلك الخطاب الأقوى، كما أن الكاريزما ذات الانعكاس الطاغي بالحضور المصاحب للون الأزرق من خلال ارتداء ربطة العنق يحمل دلالة على الهدوء والثبات ليعكس رمزا بصريا يعمل على طمأنة الأفراد للتخفيف من التوتر المصاحب للقرار.
أما ألبرت باندورا عالم النفس الاجتماعي يركز على أهمية الانطباع الأولي، ورأيه بأن المظهر الخارجي للقائد يؤثر في بث رسائله من خلال ثلاث صفات لإقناع جمهوره، وهي المصداقية والولاء والكفاءة؛ وهنا يميل المتلقون بطبيعتهم اللاشعورية لتصديق صاحب ربطة العنق الزرقاء أكثر من غيره.
ويضيف عالم النفس فيليب زيمباردو بعدا آخر حين يوضح أن الألوان قادرة على تهدئة أو تحفيز الجماهير، فبينما قد تثير بعض الألوان انفعال الحب والطاقة والسرور والبهجة كالأحمر والأصفر، يعمل اللون الأزرق كجرعة نفسية مهدئة لتسهيل استقبال الرسالة ومضمونها؛ ولهذا تظهر ربطة العنق الزرقاء في الإطلالات الرسمية التي تتطلب ضبطا عاليا للمشاعر، كإعلان قرارات اقتصادية أو التعامل مع أزمات سياسية.
ومن منظور علم النفس الرمزي، فإن كارل يونغ يربط الألوان بـ(الأرشيتيبات) Archetypes وهي الأنماط المتراكمة التي أصبحت متجذرة في اللاوعي الجمعي، والتي تكونت من توليفة النماذج الأولية الفطرية والفكرية والسلوكية للثقافة العقلية العامة وتجارب الأجيال المؤثرة في المشاعر.
برأيي، إن رمزية اللون الأزرق الممتد في السماء والمنعكس على البحر تمثل في المخيال الإنساني الراسخ الانجذاب للهدوء والسكون والراحة، لذا فإن استخدامه في المظهر الرسمي يعد محاولة لخلق جسور غير مباشرة بين المتحدث والجمهور، من خلال استدعاء هذا المخزون الرمزي القديم.
وهكذا تصبح ربطة العنق الزرقاء أداة تواصلية نفسية واجتماعية تتعدى فلسفة الأناقة لتتحول إلى عنصر أساسي في بناء خطاب يعتمد على السطوة الناعمة أكثر من بث الكلمة الداعمة، من خلال قطعة تحمل في طياتها استراتيجية متكاملة للتأثير على الجماهير.
Yos123Omar@