الآثار الجانبية... ليست دائما كما تظن
الاثنين - 17 نوفمبر 2025
Mon - 17 Nov 2025
في كل مرة نأخذ فيها دواء، يرافقنا قلق صغير لا نفصح عنه. ننظر إلى الحبة بتوجس، نقرأ النشرة سريعا ثم نغلقها قبل أن نصل إلى فقرة «الآثار الجانبية»، وكأننا نخشى أن نعرف أكثر. نسمع قصصا من الأصدقاء أو على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعراض غريبة، فنبدأ بمراقبة أجسادنا بعد كل جرعة. ذلك القلق طبيعي... لكنه أحيانا يتحول إلى مبالغة تجعل المريض يهرب من الدواء بدل أن يشفى به.
كثيرون يظنون أن أي عرض بعد تناول الدواء هو «كارثة». حرقة بسيطة، دوخة، أو تعب خفيف في المعدة كلها تجعل البعض يوقف الدواء فورا. لكن الحقيقة أن الآثار الجانبية ليست دائما خطرا، بل جزء من رحلة العلاج.
تظهر دراسات طبية أمريكية أن من بين كل 10 مرضى، 7 مرضى يشعرون بأعراض جانبية طفيفة لا تستدعي القلق، لكن واحدا فقط يتعرض لأثر حقيقي يحتاج تدخلا طبيا فوريا. التمييز بين الحالتين هو ما يصنع الفرق بين المريض القلق والمريض الواعي.
الهيئة العامة للغذاء والدواء في المملكة سجلت خلال عام 2024 أكثر من 50 ألف بلاغ عن آثار جانبية للأدوية، تبين أن 80% منها كانت غير خطيرة وتمت معالجتها بالتوعية والمتابعة. هذه الأرقام تؤكد أن الخوف الزائد من الدواء قد يكون ضرره مثل ضرر الإهمال تماما.
الوعي هنا لا يعني التهاون، بل الفهم أن تعرف متى تقلق، ومتى تكتفي بالمراقبة. فكما أن إهمال الأعراض الخفيفة خطأ، المبالغة في الخوف منها خطأ آخر.
ولهذا أطلقت الهيئة العامة للغذاء والدواء منصة «تيقظ» منذ سنوات، التي تمكن المرضى من الإبلاغ عن الأعراض الجانبية والتواصل مع مختصين يقيمون الحالة. هذه الخطوة جعلت السعودية من الدول الرائدة إقليميا في أنظمة «التيقظ الدوائي»، حيث أصبح الإبلاغ والمراقبة اليومية جزأين من ثقافة الأمان الدوائي التي تسعى إليها مملكتنا الحبيبة.
في النهاية، لا يوجد دواء بلا آثار جانبية، لكن هناك دواء يستخدم بوعي فيكون أثره شفاء، وآخر يستخدم بقلق فيتحول إلى عبء. الوعي هنا هو مفتاح الأمان، والاطمئنان لا يأتي من تجاهل الأعراض ولا من تضخيمها، بل من الثقة بالعلم، وبجهود وطن جعل صحة الإنسان أولويته، لذا «تعلم قبل أن تتناول، وافهم قبل أن تخاف، فوعيك دواؤك الأول».