عبداللطيف محمد الحميدان

الإسلام السياسي بين تراجع الأيديولوجيا وصعود البراغماتية

الخميس - 13 نوفمبر 2025

Thu - 13 Nov 2025


كشفت الحرب الأخيرة على غزة عن مأزق عميق يعيشه ما يعرف بالإسلام السياسي، إذ بدا واضحا أن الشعارات القديمة لم تعد قادرة على تفسير الواقع أو مواجهته بعد الحرب على غزة، حيث أظهرت تراجع الخطاب الأيديولوجي للحركات الإسلامية أمام موجة التحولات السياسية التي تضرب المنطقة، فلم تعد المعركة مجرد صراع بين الإسلاميين والعلمانيين أو بين المقاومة والاحتلال بل أصبحت اختبارا لقدرة الإسلام السياسي على التكيف مع العالم الجديد دون أن يفقد مضمونه أو هويته.

منذ الربيع العربي وحتى اليوم مرت الحركات الإسلامية بسلسلة من التجارب القاسية انتقلت من الحلم الثوري إلى التجربة في الحكم ثم إلى مرحلة الانقسام والانعزال، وكثير من هذه الحركات فقدت قدرتها على قراءة المزاج الشعبي الذي تغير وبات يميل إلى الواقعية أكثر من الشعارات، لأن الشعوب العربية التي دفعت أثمانا باهظة من فوضى الصراع السياسي والأيديولوجي سئمت من تلك الحركات التي أنهكتها وأثرت على معيشتها، إذ تحولت الوعود بالإصلاح والعدالة إلى معارك سياسية لا تنتهي، وأصبح المواطن العربي يشعر أن الخطابات الكبرى لم تطعم فقيرا ولم تطفئ حربا.

ولهذا تدرك بعض هذه الحركات اليوم أن البراغماتية أصبحت ضرورة للبقاء، فالمقاومة في غزة أدركت أن التحالفات العابرة للأيديولوجيا يمكن أن تكون أكثر فاعلية من الخطاب المغلق، كما أن حركات مثل النهضة في تونس أو الإخوان المسلمين في الخارج بدأت تعيد تعريف نفسها بوصفها قوى مدنية ذات مرجعية إسلامية لا تنظيمات عقائدية، حتى التجربة التركية التي كان الغرب ينظر لها بأنها النموذج السياسي للإسلام المعتدل تحولت إلى مدرسة في البراغماتية المطلقة، حيث باتت المصالح الوطنية تتقدم على الأيديولوجيا.

ولهذا لقد أفلت شمس مرحلة الإسلام السياسي المقاوم لتحل محلها مرحلة الإسلام السياسي البراغماتي، لأن القوة لم تعد في الهتاف والشعارات بل في القدرة على بناء التحالفات وفهم موازين القوى وتقديم حلول واقعية للمجتمعات، ولهذا ربما أن الإسلام السياسي لم ينتهِ لكنه دخل مرحلة مختلفة يعيد فيها ترتيب علاقته بالدولة والمجتمع ويبحث عن صيغة لا تصطدم بالواقع بل تتفاعل معه ليحمي نفسه وبقاءه.

لأن الشعوب العربية اليوم لم تعد تبحث عن من يرفع راية دينية أو حزبية بل عن من يصلح حياتها اليومية، عن من يوفر الأمان والتعليم والعمل؛ لذلك فإن الحركات التي ستدرك هذا التحول وتتعامل معه بمرونة وصدق ربما أنها ستبقى، أما التي ستظل أسيرة خطابات الماضي فستنزوي تدريجيا خارج التاريخ لأنه آن الأوان لأن تنتقل هذه الحركات من منطق الثورة إلى منطق الدولة، ومن صدام الشعارات إلى واقعية البناء، فالدين كان دائما قوة إصلاح لكن تحويله إلى أداة صراع هو ما أنهك المجتمعات وأضاع بوصلتها، وما بعد غزة ربما يكون لحظة الوعي الجديدة التي تفرض على الجميع أن يختاروا بين الأيديولوجيا التي تنهك الناس والبراغماتية التي تنقذهم.

alatif1969@