دعوة مظلوم
الثلاثاء - 11 نوفمبر 2025
Tue - 11 Nov 2025
في هدأة من الليل وخلوة من الضجيج وفي سكون الظلام حين يغيب الضوء وتختفي الحركة ويتلاشى الصخب والناس نيام، سمعه صاحبه بعد أن تقطعت به الأسباب وانعدمت عنده الحيل يدعو بدعوات كلهب حارق ونار مضطرمة تزداد اشتعالا وترمي بشرر كالقصر على من ظلموه في ميراثه وترتفع فجأة حاملة أنينه وتضج دموعه وتتعالى توجعاته وتندفع بسرعة آهاته وهم لا مبالين وغير مهتمين وقد نضبت الرحمة من قلوبهم وأبدلت قسوة وأصبحت مثل الحجارة أو أشد قسوة وانتفى لديهم الحياء وخلت نفوسهم من العدل وامتلأت بالغل والحقد والحسد؛ فمالوا عن الحق وسقطوا في التعالي وانغمسوا في الكبر وغاصوا في البطر ولم يراعوا حقوق غيرهم ولم يتذكروا العاقبة مما يجعلهم يرفضون الحقائق التي تتعارض مع مصالحهم الشخصية وقد تجاهلوا النصائح ورفضوا المشورة التي تقدم لهم وتمادوا في تصرفاتهم الخاطئة مستمرئين الظلم ومستسيغين الحيف ومستعذبين الجور ويرون فيه احترافية وتخطيطا وتدبيرا ويتفاخرون بدهائهم ويتباهون بذكائهم ويتبجحون بمكرهم في منع غيرهم من الحصول على حقه وقد أعماهم بريق المال عن إدراك خطر الظلم وبخس الناس حقوقهم؛ فأكلوا حقوق غيرهم وتحايلوا عليها بطرق ملتوية تعتمد على الخداع والمكر والاحتيال في الاستيلاء على الميراث وإخفاء الأصول وتغييب الأوراق وتخبئة المستندات والتصرف في التركة واستغلالها والمماطلة في توزيعها والإبطاء المتعمد لقسمتها.
الظلم في تقسيم الميراث آفة خطيرة وإثم مبين وجرم عظيم وله عواقب وخيمة وهو سبيل تهلكة وطريق فناء ووسيلة فشو الهمجية وشيوع التوحش وانتشار العنجهية ومرتعه وخيم وعاقبته سيئة ونتيجته مؤلمة وجزاؤه مفجع وبه تسلب الخيرات وتنتزع البركات وتضيع الأموال وتدمر الكثير من العلاقات وتحدث الفتن والشرور والمعاناة والألم، وهو سبب للمصائب وطريق للمصاعب ومصدر للابتلاءات من أوجاع وخسائر وفقر وإصابة بالأمراض والتفرق وتشتت الشمل والذل والهوان وضياع الأموال وفقدان الاحترام والشعور بعدم الأمان، ومن سلك طريقه فإن بابه في النهاية مسدود والخير منه موؤود وما تدنس به أحد إلا وحجبت دعوته وذهبت مروءته وانعدمت مبادئه وفسدت أخلاقه وانحلت قيمه ونزع حياؤه وأصبح بلا حشمة أو خجل أو احتشام وصار وقحا متبذلا وقليل الحياء وعديم التهذيب ويجترئ على اقتراف القبائح ولا يعبأ بها وخسر في دنياه وفي أخراه.
قد ينجو الظالم لبعض الوقت من العقوبة وقد يسلم من الجزاء لفترة من الزمن لكنه في نهاية المطاف ينال جزاءه وتدور عليه الدوائر؛ فيصيبه البلاء وتنزل به المصائب وتحل به الخسائر وإن كدس الأموال وبنى الفيلات وشيد القصور وركب أفخم المركبات وتمتع بأجمل العطل في أبهى المتنزهات ونام قرير العين مسرورا مطمئنا مبسوطا؛ فإن المظلوم يبيت يدعو عليه متضرعا خاضعا مبتهلا يناجي ربه بقلب خاشع ونفس مطمئنة ويقين صادق وعينه باكية وكبده محترقة مع يقينه التام وثقته المطلقة بأن عاقبة الظلم سيئة وما وقع فيه إنسان إلا ومحقت منه البركة في صحته وأمواله وتجارته ووقته وعياله وبيته وعمره؛ فدعوة المظلوم مستجابة مسموعة لا ترد وهي سلاح قوي للمظلوم على الظالم وإن طال الدهر، سهامه لا تخطئ وإن امتد الزمن تحيط بالظالم فتصيبه في مهلك وتحل به فتحيله إلى أسوأ منقلب وتنقله إلى أردأ حال وتؤدي به إلى أبشع نهاية وهو يكابر ويعاند ولا يقر ولا يعترف بأن ذلك كله بسبب دعوة مظلوم.