خضر عطاف المعيدي

أكاديمي من القنفذة وطالب من تبوك

الثلاثاء - 11 نوفمبر 2025

Tue - 11 Nov 2025


«لا تجعل تصوراتك عن ثقافات الآخرين عائقا يحول دون أن التعايش معهم...» - ساندرسون.

سنت وزارة التعليم في مستهل العام الحالي نظاما للقبول الموحد، والذي يهدف لتوحيد آلية القبول في الجامعات السعودية. فبدلا من استقلال عمادات القبول والتسجيل في الجامعات بالقبول تم توحيد القبول وفق منصة واحدة تكفل بالنزاهة والعدل وتساوي الفرص بين الخريجين. وقد جاء الأمر بمثابة الصدمة للبعض ومن المبشرات لآخرين.

ومن وجهة نظري أرى بأن الأمر أعمق من كونه مجرد منصة قبول وإن رآه البعض تشتيتا للأسر وابتعاد الأبناء والفتيات عن أسرهم، فهو من زاوية أخرى مصراع يفتح عين أبناء الوطن وبناته على آفاق كانت غائبة عنهم ألا وهي خريطة الوطن الكبير وتنوعاته الثقافية التي لربما نالت نزرا يسيرا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن التعايش والعيش خارج الدائرة المتعارف عليها ثقافيا، والاعتماد على ما يصور وينقل لا يمنح المواطن المعرفة الحق بالثقافات والعادات المترامية في أرجاء الوطن والجديرة بالمعرفة.

لقد منحت منصة القبول للطلاب أن يتعرفوا على وطنهم عن كثب، وينغمسوا في جمال التنوع الثقافي. فحينما يدرس طالب من الرياض في نجران وطالب من الأحساء في القنفذة وطالب من مكة في تبوك فإنه بذلك يقوم بإعادة تشكيل فكره وعقله عن المجتمع الغائب عنه لسنوات. حينما يبني علاقات وصداقات مع أبناء المنطقة الجديدة سيفهم طباعا لربما تختلف كثيرا عن طباعه، وبذلك ستنصهر الكثير من الحواجز التي لربما كانت حائلا عن «التثاقف» والتعايش. حينما يتعرف على أنواع جديدة من الأطعمة المحلية للمنطقة التي يدرس بها ويتعرف على عادات الزواج واللباس وما إلى ذلك فإنه سيعود لأسرته ومجتمعه بصورة غير تلك التي كانت تنقل له «وليس من رأى كمن سمع».

إنها أعظم فرصة أن يتعرف المواطن على وطنه ولو ابتعد عن أسرته قليلا فهو لا يزال في حدود الوطن وفي أحضانه الدافئة، وكل من يمتعض من مثل هذه الغربة داخل وطنه أجده لا يمتعض حينما يكون الاغتراب وفق الابتعاث وفي دولة بعيدة... أليس الوطن أولى بشبه غربة وبالتعرف على ثقافته!! نعم إن الوطن بحاجة للاكتشاف من قبل أبنائه وبناته لأن به الكنوز الثقافية التي لطالما غابت عن أغلب أبنائه وبناته. كم كنت سعيدا وأنا في قاعة فرع الجامعة بالقنفذة وأمامي طالب من تبوك وآخر من نجران وثالث من الرياض ورابع من الأحساء وخامس من المدينة المنورة وكنت أقول لهم في أول محاضرة هي فرصتكم أن تتعرفوا على هذه المحافظة الجميلة التي تجمع بين البحر والجبال والأودية، وهي فرصتكم أن تتعرفوا على لهجة أهلها وأساليبهم اللغوية.

لا تغضب عزيزي ولي الأمر من البعد اليسير فإن له مردودا يتجاوز حدود العاطفة ويفوق التصور، لأن مردوده الإيجابي سيكون لاحقا على الأسرة والوطن، والوطن أجمل من نضحي لأجله. وأمنيتي أن يزيد تنوع القبول وبث الأبناء والبنات في أرجاء الوطن ومنح امتيازات لكل من بعد عن أسرته كالسكن وزيادة المكافأة وما إلى ذلك من الحوافز التي تلطف عليهم مرارة البعد - أحيانا - وأتمنى أن يزداد الأمر ليشمل التوظيف والتعيين كذلك ليكون متنوعا لا موافقا لرغبة الفرد بل لمصلحة الوطن وسن مفهوم «التثاقف» ولو لأول ثلاث سنوات من التعيين على الوظيفة كي يفهم كل مواطن ثقافة أرجاء وطنه.