خالد العويجان

ممتطو الجمال والحمقى الذين ملأوا الدنيا ضجيجا

الأربعاء - 29 أكتوبر 2025

Wed - 29 Oct 2025


الحماقة مرض يصعب علاجه. الغبي هو الوحيد الذي يكشف عما بداخله دون أن يعلم. والأحمق كذلك. لتبدأ رحلة التبرير. دون اعتراف بالرعونة والصفاقة السياسية والكلامية. وبلا وعي قد تكشف كلمة عن الخافي مما تكنه الصدور.

في إسرائيل جميع الموصوفين بالغباء والحماقة والصفاقة متواجدون. عديد منهم يتصف بصفة رجل دولة، بلا دولة. إذ لا يمكن لكيان مغتصب أن يتحول إلى طبيعي بين عشية وضحاها. ويستحيل لقاتل الأطفال والنساء والشيوخ ومشردهم من أرضهم، أن يكون حمامة سلام. هو مجرم دون ريبة أو أخذ ورد.

يمكن اعتبار رجال الكيان الصهيوني مندوبين للاحتلال. أو ألسنة للإرهاب الإسرائيلي. كل هذا جائز. ولا سيما أنهم عبارة عن هاربين من دولهم الأصلية. وسبق أن كتبت بهذا الخصوص هنا قبل أسابيع.

سأعيد الحديث عن أحدهم لأنه سبب كتابة هذا المقال. بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي. هو من أصول أوكرانية. وترعرع ذووه في مدينة سموتريتش الأوكرانية، وفروا إلى فلسطين. وقد ولد عام 1980؛ في أحد مستوطنات هضبة الجولان التي يحتلها الكيان. ويتزعم الحزب الديني القومي الإسرائيلي، الذي تم تأسيسه على تعاليم الصهيونية الدينية. بالمحصلة نحن أمام شخصية تبدو هادئة بحسب متابعته في وسائل الإعلام، إلا أنه في حقيقة الأمر يعد ضمن الأخطر، من حيث الانتماء لأقصى اليمين المتطرف في إسرائيل.

قبل أيام خرج هذا الشخص مهاجما السعودية. قال في أحد المؤتمرات «هناك إمكانية لتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم، لكن السيادة هي الاختبار النهائي. إذا قالت لنا السعودية؛ التطبيع مقابل دولة فلسطينية، فعندئذ شكرا لكم. استمروا في ركوب الجمال في الصحراء، سنواصل بناء قوة تكنولوجية هائلة».

السؤال: لماذا يستميت الإسرائيليون على فكرة التطبيع مع السعودية؟ قبل الإجابة يجب تبيان التالي: هم من يسعون للتطبيع، وليس الرياض هي من تريد ذلك. هناك فرق بين الحالتين، وكل منهما لها مقاصدها وأسبابها وأهدافها.

الجواب؛ لعدة أسباب. مثل ماذا؟ أولا: أسس إبرام عديد من الدول العربية بما فيها الخليجية، اتفاقيات تطبيع مع الكيان لطموحات كبرى، مفادها بأن الجميع سيأتي بإرادته، للتقارب معه وفق اتفاقية «إبراهام» التي ولدت برعاية أمريكية.

لكن تلك التوقعات مع الوقت اصطدمت برفض السعودية تجاهل شروطها، التي وضعتها على الطاولة بكل وضوح، وأمام العالم. لم تخف الرياض من الإعلان صراحة، بأن تأسيس العلاقة مع إسرائيل، يستحيل أن يكون دون مقابل حل الدولتين.

ثانيا: أن السعودية؛ باتت وكانت ولا تزال، سببا في تعرية الأحزاب الإسرائيلية، التي تضع التقارب معها كرهان انتخابي، تقنع من خلاله الناخب اليهودي، والرأي العام المحلي داخل الكيان.

ثالثا: لأن الرياض تلتزم سياسة واضحة وثابتة منذ أيام المؤسس حتى الآن. وهذا ما خلق حالة من الجنون لدى صناع القرار في الدوائر السياسية الإسرائيلية، تقوم على سؤال: كيف ترفض الرياض التطبيع مع تل أبيب، فيما يتسابق الكثير لكسب رضاها؟

رابعا: وهذا بزعمي الأهم: أن المملكة استطاعت تجييش العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي هذا الصدد يجب النظر إلى أن السعودية من خلال مؤتمر الأمم المتحدة الذي تعاونت معها فرنسا لإنجاحه، لم تستخدم ورقة «شيطنة إسرائيل»، بل عملت بدبلوماسية، لإقناع العالم بالاعتراف بدولة فلسطين. وذا يقود للنظر إلى الذكاء السياسي السعودي، الذي ترسم خطوطه العريضة ما يمكن أن نسميها بالدولة العميقة في الرياض، ولا تحاول استعداء أحد أيا كان.

أتصور أن الخطوات السعودية التي وضعت نصب عينيها حقوق الأشقاء، من فلسطين إلى سوريا، وصولا للبنان، هي التي تستثير المتطرفين المحسوبين على الإرهابي الكبير بنيامين نيتنياهو ومن يسير في فلكه، من الذين قدموا النار على لغة التفاهم، مع شعب أعزل سلبه إرادته وأرضه في وقت واحد.

فالأرضية التي بنتها المملكة العربية السعودية في المنظمات الدولية، لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، دون تمييز أو تفرقة، بين من يعيش في الضفة الغربية، أو قطاع غزة، هي التي نقلت تموضع العالم من مجال إلى آخر. فقد كان الجميع ينكر حقوق الفلسطينيين المسلوبة أرضهم، وصمتوا عن اغتصاب الوطن الذي نفذه الإسرائيليون أبا عن جد، لكن الرحلات المكوكية التي جسدتها الدبلوماسية السعودية، تمكنت من حرف المسار للاتجاه الصحيح.

إن السعودية التي استطاعت إقناع العواصم المؤثرة، وعلى رأسها واشنطن، بضرورة إيقاف إطلاق النار في قطاع غزة، استنادا على عدم تجزئة القضية الفلسطينية، وفصل صورها عن بعضها؛ هي التي أربكت بعضا من أزلام اليمين المتطرف اليهودي، مثل ذاك الذي حاول أن يكون رجلا، وتقهقر سريعا، وعاد لجنسه موضعه الطبيazعي، معتذرا بزلة لسان.

يدرك السعوديون في الرياض أن أمام كل رأس عربي حر؛ تولد فكرة لا تموت. ويؤمنون بمفهوم الحق المشروع. ويرفض السعوديون أي خريطة ترسم، بلا أرض فلسطين. هم من احتمى وطيسهم، حين نشطت أعتى قوة احتلام، بأصغر بقعة اسمها غزة.

قالوا كلمتهم. ومضوا.
لم ينظر ممتطو الجمال.. للحمقى الذين ملأوا الدنيا ضجيجا.