عبدالمعين عيد الأغا

أطفالنا بين «السمنة والتنمر»

الأربعاء - 29 أكتوبر 2025

Wed - 29 Oct 2025


يقول أحد الآباء في رسالته: ابني الذي يدرس في المتوسطة يتعرض للتنمر والسخرية من زملائه بسبب وزنه الزائد، حتى أصبح ينعزل عن الآخرين والمحيطين به، وفي البيت يفضل البقاء منطويا في غرفته لساعات طويلة، مكتفيا بعالمه الصغير مع هاتفه المحمول، فهل من حل للمشكلة يا دكتور؟

في الواقع لم يعد الوزن الزائد الذي يقود مع مرور الوقت إلى السمنة لدى الأطفال مجرد مشكلة صحية فقط، بل تحولت إلى قضية مجتمعية وإنسانية تمس حياة الكثير من الصغار الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين معاناة الوزن الزائد وسهام التنمر القاسية التي تطالهم سواء في المدرسة أو حتى داخل الأسرة أو الحي الذي يقطنونه، ففي وقت تتزايد فيه نسب السمنة بين الأطفال حول العالم تزداد معها حالات التنمر والسخرية، لتشكل مزيجا خطيرا يهدد استقرارهم النفسي ويؤثر في شخصياتهم ومستقبلهم.

ويربط الكثيرون كبارا وصغارا من أفراد المجتمعات في جميع دول العالم بين الشكل الخارجي والقبول الاجتماعي، لذلك يصبح الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن هدفا سهلا للسخرية والتعليقات الجارحة من المحيطين بهم، فيطلقون عليهم الألقاب غير اللائقة، ويقصونهم من اللعب أو الأنشطة الجماعية، فيتكون لدى هؤلاء الأطفال شعور بأنهم مختلفين أو أقل قيمة، وهذا التنمر المستمر قد يترك مع مرور الوقت آثارا أعمق مما نتخيل، إذ قد يزرع في نفوسهم الخوف والخجل، وفقدان الثقة بالنفس، وقد يدفعهم للعزلة أو حتى الاكتئاب.

وكشفت دراسة علمية حديثة أشرف عليها باحثون أمريكيون أن الأطفال الذين يتعرضون للتنمر بسبب وزنهم يصابون بشراهة الطعام ويكتسبون وزنا أكثر، إذ وجدت الدراسة أن السبب قد يرجع إلى التغلب على الألم العاطفي، أو تجنب ممارسة الرياضة بسبب الإحراج أو زيادة الوزن بسبب خلل الهرمونات، كما أظهرت أحدث دراسة استقصائية شملت نحو 12 ألف مراهق من مختلف دول العالم خطورة التنمر المرتبط بالوزن على المراهقين في العالم كله؛ حيث أفاد نحو 17% من المراهقين المشاركين في البحث بتعرضهم للتنمر بسبب وزنهم بشكل أو بآخر عبر الإنترنت؛ خصوصا بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن المؤسف أن بعض الأسر تتجاهل سمنة الطفل أو تتعامل معها بخفة، وتعتقد أن الوزن الزائد «علامة صحة»، أو أنه «سيطول ويخف وزنه مع العمر»، وهذا الاعتقاد الخاطئ يؤدي إلى تفاقم المشكلة، لأن السمنة في الصغر غالبا ما تمتد إلى مرحلة المراهقة ثم البلوغ، مع مضاعفات صحية ونفسية أشد، لذا يظل من المهم التدخل المبكر وعدم ترك الطفل على حاله، فكلما كان العلاج مبكرا كانت النتائج أفضل.

كما يواجه هؤلاء الأطفال الذين يعانون من السمنة تحديات نفسية مضاعفة عندما  يستبعدون أحيانا من الأنشطة الترفيهية أو الألعاب الجماعية مثل كرة القدم من قبل أصدقائهم أو أقرانهم، وهذه العزلة تزيد من شعور الطفل بالرفض والوحدة، وتقلل من فرصه في تطوير مهاراته الاجتماعية، ليجد نفسه في حلقة من الانسحاب والانعزال.

ويظل السؤال هنا:  كيف نحمي أطفالنا من السمنة والتنمر؟
الجواب: الحماية تبدأ من الوعي الأسري والمجتمعي، ومن تغيير النظرة النمطية إلى الجسد والمظهر، ولتحقيق ذلك فإن هناك مجموعة من الخطوات العملية تتمثل في غرس ثقافة التقبل لدى الأطفال منذ الصغر، وتعليمهم احترام الاختلافات الجسدية، الاهتمام بالتغذية الصحية والنشاط البدني بطريقة ممتعة وغير قسرية، عدم السخرية من الطفل السمين، سواء في البيت أو المدرسة، لأن الكلمة الجارحة قد تبقى في ذاكرته لسنوات، تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال، ومكافأتهم على إنجازاتهم لا على شكلهم، التدخل المبكر في حالات التنمر، وتوجيه المعلمين على اكتشافها والتعامل معها بحزم وهدوء في الوقت نفسه، أما ما يتعلق بالجانب الصحي فإن رحلة العلاج لزيادة الوزن تبدأ بالتشخيص المبكر لمؤشر كتلة الجسم وفحص نمط حياة الطفل وعاداته الغذائية، مع استبعاد أي أمراض هرمونية، وبعد ذلك ينصح بتعديل النظام الغذائي تدريجيا، بالتركيز على الخضراوات والفواكه وتقليل السكريات والمشروبات الغازية والوجبات السريعة، مع تنظيم أوقات الطعام بعيدا عن الشاشات، وتخصيص ساعة يوميا للنشاط البدني، والحد من الجلوس الطويل أمام الأجهزة الالكترونية، وفي حال كانت السمنة مفرطة جدا فيجب عرض الطفل للطبيب المتخصص، فالتدخل الجراحي ليس خيارا أوليا، ولا يطرح إلا بعد فشل كل الوسائل الطبيعية وظهور مضاعفات صحية خطيرة.

الخلاصة: يجب عدم إهمال الأطفال الذين يعانون من زيادة في الوزن، فالتدخل المبكر يسهم في حمايتهم من الوصول إلى مراحل السمنة المفرطة وما يصاحبها من مضاعفات صحية خطيرة، فالعلاج المبكر والمتابعة المنتظمة يجنبان الطفل الحاجة إلى الحلول الجراحية مستقبلا في حال فشل الوسائل التقليدية مثل تنظيم الغذاء، وممارسة النشاط البدني، والعلاج السلوكي، كما أن الاهتمام بصحة الطفل منذ البداية لا يحميه فقط من الأمراض، بل يقيه أيضا من التنمر والعزلة الاجتماعية وضعف الثقة بالنفس التي كثيرا ما ترافق الأطفال المصابين بالسمنة.