فهد عبدالله

تمارين محاكاة إدارة الأزمات

الاثنين - 27 أكتوبر 2025

Mon - 27 Oct 2025

في البيئات العملية المعقدة، تعد تمارين محاكاة إدارة الأزمات من أهم الأدوات التي تعزز الجاهزية التنظيمية والممارسة التنفيذية الصحيحة. فهي ليست مجرد نشاط تدريبي فقط، بل انعكاس عملي لحوكمة ميدانية تترجم ما هو مكتوب على الورق إلى سلوك منظم على أرض الواقع. ومن خلال هذه التمارين، تستطيع كل منظمة أن تختبر خططها واستعداداتها، وتتعرف على نقاط قوتها وضعفها في الأداء المؤسسي.

وغالبا ما تكتسب التمارين قيمتها الحقيقية عندما تبنى على تحليل مسبق يدرس نقاط الألم المؤسسية (Pain Points) بعمق، سواء كانت في التوجهات الاستراتيجية أو في العوائق التشغيلية أو الممارسات الإدارية. هذا التحليل المسبق إذا ما تم تحويله إلى سيناريوهات تمثيلية واقعية، يساهم في اكتشاف الأسباب الجذرية للمشكلات، وفي اعتقادي، إنه حجر الزاوية في فعالية هذه التمارين، لأنه يجمع بين الجانب التدريبي واستثمار وضع نقاط الألم في إطار صناعة القرار على الطاولة التنفيذية.

ومن أبرز عوامل النجاح في هذه التمارين الجدية التامة (Seriousness) من جميع المشاركين، وعلى رأسهم الإدارة العليا، فهي من أهم متطلبات النجاح ودائما ما تذكر بالخط العريض في بداية المتطلبات للمراجع المحلية والعالمية. لا يمكن لأي منظمة أن ترتقي بثقافتها في التعامل مع الأزمات ما لم تمارس هذه التمارين بجدية كاملة. كما أن الأثر الإيجابي يتضاعف أو يتناقص بناء على هذا المحور.

وقد أثبتت التجارب أن الجلسات التفاعلية قبل وأثناء التمارين تخلف إيداعات تعاونية ضخمة تسهم في سرعة الاستجابة أثناء الأزمات الحقيقية، وتساعد في عمليات السحب الفعلية وقت إدارة الأزمة، مما يقلل من آثارها السلبية بشكل ملموس.

ولا تكتمل الصورة دون الإشارة إلى الجاهزية الإعلامية، فهي أحد المكونات الجوهرية في إدارة الأزمات الحديثة. حين تولي المنظمة الاهتمام بالتواصل الاستباقي وتفعل فريق الأزمات الإعلامي عند حدوث أي أزمة، فإنها تظهر احترافية ومهنية عالية في إدارة الموقف، حتى لو لم تكن هناك آثار إعلامية تم رصدها. وضوح الرسائل الداخلية والخارجية وتعزيز الثقة بين الأطراف المعنية يعدان من أبرز نتائج هذا البعد الحيوي. إن تفعيل فريق الأزمات الإعلامي عند حدوث أي أزمة هو تصرف واع وناضج حتى لو لم تكن هناك آثار إعلامية مرصودة.

ثم تأتي المرحلة التي تمنح التمرين قيمته الفعلية، وهي مرحلة التعلم والتحسين. فالمؤسسات الناضجة لا تنظر إلى هذه التمارين كاختبار للنجاح أو الإخفاق، بل تراها مساحة للتطوير وبناء التعلم الجماعي. ومن خلال تحليل النتائج والدروس المستفادة، تتعزز القدرات على التفكير النقدي وحل المشكلات بسرعة وفعالية، مما يخلق ثقافة مؤسسية مرنة وقادرة على التكيف مع المتغيرات المفاجئة.

واختيار الأهداف والسيناريوهات التكاملية ليس أمرا عشوائيا، بل يستند إلى سجلات المخاطر والالتزام والسجل التاريخي للحوادث، لتحقيق رؤية شاملة تغطي جميع المستويات عند تحليل النتائج. وتبرز هنا أهمية مرحلة ما بعد التمرين، حين توثق الدروس المستفادة وتترجم إلى خطط تصحيحية (Corrective Actions)، فتتحول التمارين من حدث تدريبي مؤقت إلى ركيزة مستدامة لتحسين الأداء وتعزيز جودة التوجهات.

وفي نهاية المشهد، يتضح أن تمارين محاكاة إدارة الأزمات ليست مجرد وسيلة للجاهزية، بل فن مؤسسي راق يمارس بعقل منظم وروح جماعية. فهي تغرس شعورا بالمسؤولية المشتركة، وتعيد تعريف التحديات بوصفها فرصا للتطوير والنضج. ومن هنا، يصبح الاستثمار في هذه التمارين استثمارا في ثقافة العمل نفسها، وفي بناء منظمة متينة، مرنة، وقادرة على تحويل الأزمات إلى مسارات حقيقية للنمو والتميز.

fahdabdullahz@