العرب إلى أين في ظل التحولات الإقليمية والدولية؟
الاثنين - 27 أكتوبر 2025
Mon - 27 Oct 2025
في ظل حراك صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء مع الرئيس الأمريكي ترامب والاتحاد الأوروبي، يشهد العالم العربي مرحلة مفصلية في تاريخه السياسي والإقليمي، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى وتتشكل ترتيبات جديدة للأمن والاستقرار، وفي قلب هذه التحولات يظهر الدور السعودي بقيادة سمو ولي العهد الذي يتحرك برؤية استراتيجية تعيد صياغة مفهوم القوة والتأثير في المنطقة، وتجعل من الرياض محور توازن بين الشرق والغرب وبين التقليد والحداثة وبين الطموح الوطني والمصالح الدولية.
لقد أعاد الأمير محمد بن سلمان تعريف دور المملكة والعرب في المعادلة الدولية من موقع الفاعل لا المتلقي، فالحراك الذي تقوده السعودية في علاقاتها مع الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب جاء ليؤكد أن التحالف ليس تابعًا بل شراكة قائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل للأدوار، فالعلاقات بين البلدين تجاوزت مرحلة النفط والأمن إلى مرحلة بناء منظومة ردع واستقرار إقليمي تعيد رسم شكل المنطقة وفق رؤية واقعية تحفظ مصالح الجميع وتمنع الانزلاق إلى الفوضى.
وفي المقابل يأتي الانفتاح السعودي على الاتحاد الأوروبي ليؤسس لنمط جديد من العلاقات يقوم على الحوار السياسي والشراكة في الملفات الأمنية والإقليمية الحساسة، حيث باتت أوروبا تدرك أن أمنها مرتبط بأمن الشرق الأوسط وأن استقرار الخليج يشكل جزءا من استقرار المتوسط، ومن ثم فإن التواصل الدبلوماسي المكثف بين الرياض والعواصم الأوروبية لم يعد مجرد بروتوكول بل جزء من صياغة معادلة توازن جديدة في النظام الدولي. لأن ما يميز هذا الحراك العربي بقيادة المملكة أنه لا يتحرك ضمن محور مغلق بل يسعى لبناء توازن بين القوى الكبرى دون انحياز مطلق لأي طرف، فالانفتاح المدروس على الصين وروسيا يعبر عن وعي عربي بضرورة التعامل مع الواقع الدولي متعدد الأقطاب بطريقة تحفظ الاستقلال السياسي وتوسع الخيارات الاستراتيجية؛ فالعلاقات مع بكين تنطلق من مبدأ الشراكة المتكافئة في مجالات التقنية والطاقة والبنية التحتية، أما العلاقة مع موسكو فهي قائمة على قراءة دقيقة لتأثيرها في الملفات الإقليمية وخاصة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وسوريا وأوكرانيا وملف الطاقة العالمي.
إن ما يشهده الإقليم اليوم من حراك الرياض هو انتقال العرب من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل، حيث لم تعد القرارات الكبرى تتخذ في غيابهم بل بحضورهم وبدورهم المحوري في إدارة الحوار الدولي والوساطة السياسية والجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى إخماد الصراعات وفتح مسارات جديدة للتهدئة، لأن القيادة السعودية أدركت أن الأمن الإقليمي لا يمكن أن يفرض من الخارج بل يبنى من الداخل عبر تفاهمات عربية وإسلامية مدعومة بتفاهمات مع القوى العالمية على قاعدة المصالح المشتركة لا الهيمنة.
إن التحولات التي نشهدها اليوم تشير إلى أن الغرب في مرحلة إعادة تموضع، فهو يسعى للحفاظ على نفوذه ومصالحه من خلال التعاون بدل الإملاء ومحاولة استيعاب صعود الشرق دون مواجهة مباشرة.
ومن هنا تأتي أهمية الدور العربي كجسر توازن بين القوتين، إذ باتت المنطقة لاعبا بقياده الرياض لا ساحة تتصارع فيها القوى الكبرى، فالتوازن الذي تصنعه الرياض بين واشنطن وبروكسل وبكين وموسكو يشكل النموذج الأوضح للدبلوماسية الجديدة التي تعتمد على المبادرة لا رد الفعل. إن العرب اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء نظامهم الإقليمي على أسس جديدة عنوانها الأمن القائم على المصالح المشتركة والسيادة الوطنية والتعاون الإيجابي مع القوى العالمية، فالعصر الذي كانت فيه القرارات تفرض من الخارج يتراجع، والعصر الذي يكتب فيه العرب سياستهم بأيديهم قد بدأ.
وفي هذا الإطار يظل سؤال العرب إلى أين؟ هو سؤال الإرادة والاختيار، فإما أن يكون العرب صانعي التوازن في عالم مضطرب أو مجرد متفرجين على مشهد يعاد ترتيبه دونهم، والمسار الذي ترسمه المملكة اليوم بقيادة ولي العهد يشير بوضوح إلى أن العرب يسيرون نحو موقع الفاعلية والتأثير بثقة وحكمة ورؤية تجعل من الاستقرار هدفا ومن السلام طريقا ومن القيادة مسؤولية تاريخية تجاه أمة تستعيد مكانتها بين الأمم.
alatif1969@