كلمة لم ألق لها بالا
الخميس - 23 أكتوبر 2025
Thu - 23 Oct 2025
قبل أيام أضفت في رصيد ذاكرتي خبرة جديدة أثرت في نفسيتي بموقف يستحق التأمل؛ حين كنت في مقر عملي زارنا صديق قديم لم أره منذ فترة واجتمعنا في مكتب صديق ثالث مشترك بيننا وتبادلنا الأحاديث والذكريات وتناولنا القهوة التي غالبا ما تفتح أبوابا للحوار الساخن؛ فسألني صديقنا القديم «أفكر في التقاعد المبكر.. ما رأيك؟»
أجبته من باب النصيحة «لا تجعل قرارك يتأثر بمشاعرك وتكون ردة فعلك جراء انفعالك، فالتريث في القرارات المصيرية أمر ضروري حين نكون تحت وطأة التوتر أو القلق أو الضيق والحزن، فإننا نرى الأمور من نافذة ضبابية لا ندرك عواقبها، فلا تتعجل فالقادم أجمل مما نتخيل وربما تحمل الأيام في طياتها ما هو أفضل».
كانت كلمات نطقت بها بصدق محاولا إقناعه بأن الأعمال يديرها أشخاص سيرحلون بقراراتهم ويأتي آخرون بأفكارهم، وواقع الحال لا يدوم بين السابقين واللاحقين وبحسب المثل «دوام الحال من المحال».
ما لم أكن أعلمه أن تلك الكلمة المرسلة والتي لم ألق لها بالا أثرت في نفس صديقنا الثالث الذي كان هو الآخر يفكر في التقاعد المبكر. وفي مساء اليوم نفسه تلقيت منه رسالة واتس اب يشكرني ويخبرني أن حديثي في الصباح غير نظرته تماما وجعله يعيد التفكير في قراره وقال «كنت أبحث عن تجارب المتقاعدين بعد التقاعد المبكر لأن الفكرة راودتني أكثر من مرة، ولكني كنت أسترق السمع أثناء حديثك مع صديقنا بخصوص أن القادم أجمل وكأني صرفت النظر لأن هناك من أدخل بصيص الأمل لتحسن أوضاعنا في مؤسستنا المحبوبة.. شكرا لك دكتورنا الحبيب؛ ورب كلمة تغير مجرى حياة».
تلك الرسالة جعلتني أتأمل طويلا كم من كلمة نقولها بلا قصد، نلقيها على مسامع أحدهم فتستقر في قلبه وتغير قناعاته؟ وكم من عبارة لا نلقي لها بالا، تكون ضوءا ينير عتمة طريق، وأملا في لحظة يأس.
في كل مرة أصنع تراكما لخبراتي أجمعه في حساب ذاكرتي نتيجة تجاربي المديدة ومواقفي العديدة التي مررت بها شخصيا في حياتي، والتي شعرت خلالها بتقلبات وفترات من ضيق الحال نفسيا وماليا ومجتمعيا، أتلمس سماع الكلمات التطمينية من الإيجابيين حولي كي أرفع معنوياتي وأزيد طاقتي، مع يقيني الثابت وإيماني الراسخ بالوعد الرباني «فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا».
للكلمات قوة خفية تقاس بصدقها وما تحمله من نية طيبة، وعندما نطلق من أفواهنا الخير نحن نتصدق به على أنفسنا قبل الغير، قال الله تعالى «وقولوا للناس حسنا».
لا ندري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فالحياة تمضي سريعا والظروف متغيرة، لكن بذرة الكلمة تبقى مزروعة في القلوب والعقول، لذلك علينا انتقاء كلماتنا بعناية حريصين أن نقدمها كهدايا مغلفة بالأمل والتفاؤل، لأنها قد تنقذ روحا من الانكسار، وتثني إنسانا من تخبط القرار.
وكما هي الكلمة في حال لم نلق لها بالا تكون علينا وبالا في المقابل هنالك كلمة لم نلق لها بالا قد تحدث تحولا جذريا في نفوس وقرارات الآخرين.
Yos123Omar@