حنان درويش عابد

حين يتكلم الوعي... يصمت الضجيج

الأحد - 19 أكتوبر 2025

Sun - 19 Oct 2025

الكلام هو الجزء الأعمق الذي يشكل قدرتنا على الشعور الأكيد بأننا أحياء نعيش فعلا في سياق مجتمع ننتمي إليه ونتفاعل معه، ولذا فالكلام هو ذلك الجزء الأكثر أهمية في سلوكنا اليومي، ولكن من المهم أن ندرك بأن قدرتنا على الكلام بحد ذاتها ليست سوى أحد أعظم ممكنات البناء الذي نقوم به في حياتنا، وعلى عكس ما ينظر من خلاله أغلب الناس إلى القدرة على الكلام على أنها باب إنساني مفتوح من دون ضابط، يمكن أن نقول بيقين إن الكلام في أصله هو واحد من الممكنات البشرية الفطرية التي خلقت فينا في الأصل لنرشد، ولنوجه، ولننصح، ولنبني، ونعلم، ونساعد، ونحدث فرقا في حياة المجتمع ونموه وتطوره.

وعندما نتحدث فعلينا أن نقيس مستوى عباراتنا واتجاهاتها ومراداتها، وهل نحن بالفعل نتحدث حديث العقل والحكمة أم أننا نقوم بعملية إنتاج كلامي لفظي لا يقدم ولا يؤخر؟! كثير من الناس في جميع الثقافات والمجتمعات الإنسانية شرقا وغربا يتخذون من القدرة على الكلام وسيلة للاشيء! ولأن اللاشيء بات في زماننا مميزا لطبيعة هذا العصر، ومشكلا لحالة تردٍ غير مسبوقة في الوعي الإنساني، فإننا من الواضح أننا بحاجة إلى إعادة إنتاج تعريف واضح للكلام، وما هو، ولماذا خلقت فينا القدرة على الكلام، وما هي أهداف الكلام في حياتنا، وهل هناك معايير لا بد من معرفتها تتعلق بالتطبيق الأخلاقي المطلوب في حياتنا لقيمة الكلام، أم أن هذه القيمة لا دور لها في تطوير أي مجتمع وتحسين مخرجاته التنموية؟

ومن الواضح أن كل قيمة تتعلق بالتنمية المجتمعية هي عنصر لا يمكن فصله عن قيم الذات الإنسانية وطريقة تعاطي الفرد مع ممكناته الفطرية المتنوعة وأولها الكلام كرافعة إنسانية مركزية في عمليات البناء المجتمعي. ومن هذا الباب، فإن التأكيد على أهمية تحسين قدرة كل فرد في المجتمع على تطوير مستوى جودة الكلام لديه، وتقديم قيمة الكلام الإيجابي على الرغبة في الثرثرة، وتعزيز مناهج السلوك اليومية في جعل مساحة الكلام خاصة في مواقع العمل قابلة لاجتذاب أطر تفاعل اتصالي عالية الأداء في سبيل إنجازات استراتيجية أعلى قابلة للوصول إليها، كل ذلك من شأنه أن يعزز من ثقافة الاستخدام الأمثل لقيمة الكلام في حياة الأفراد.

التواصل الإنساني إذاً يكتسب اليوم قيمة توعوية أعلى من أي وقت مضى في حياة البشرية بسبب التداخلات غير الصحية بين الموروث الفطري السليم وبين سطوة التكنولوجيا الذكية وهيمنتها على الواقع اليومي، وللخروج من هذا المأزق الإنساني المستحدث سنظل بحاجة إلى وعي أعلى حول سؤال: لماذا نتكلم!